الاتّساق الّلغوي و الانسجام في قصيدة “الأمّ الحزينة” للشّاعر خليل حاوي         

Views: 5573

نرجس علي الخشن

الملخّص

أدرك الّلغويون العرب أنّ النّصّ وحدة واحدة وقد عبّروا عن ذلك بعبارات منها (جودة السّبك ) و(نسيج العمل) وغيرها. وبذلك يؤكّدون أهمية فكرة التماسك النصي، الّتي لا تقوم إلا على تحقيق الانسجام بين وحدات وعناصر النصّ.

و قد احتلّ موضوع الدّراسات النّصّية موضوعًا مركزيًّا في الدّراسات الّلغويّة المعاصرة انطلاقًا من مبدأ أنّ لسانيات النصّ مدخل مهمّ لانسجام و تماسك النّصوص. ومن أهمّ المفاىيم التي عنيت بها لسانيات النص مفهوم الاتساق

الّذي يحتلّ موقعًا مركزيًّا في الأبحاث والدراسات . ونتيجةً لهذه الأهمّية التي يحتلّها الاتّساق الّلغوي والانسجام فقد تم اختياره موضوعاً لبحثي. ولكي تكون الدراسة ذات فائدة عملية يجب أن تتناول الجانب التطبيقي، ولا تقتصر على الجانب النّظري فقط.

يهدف هذا البحث إلى عرض موضوع (الاتّساق و الانسجام) من خلال دراسة تطبيقيّة على قصيدة بعنوان :”الأم الحزينة” للشاعر خليل حاوي الّذي عاش على وقع الاحتلال والظلم في زمنٍ بالٍ بل ممزّقٍ، تسأم الأوطان فيه الذّلة والمهانة.

وسنتناول من أـدوات الاتّساق :الإحالة، الرّبط، الحذف، الاتّساق المعجمي بقسميه (التكرير والتضام) أمّا في الانسجام قد تناولنا ثنائية البنية الكلّية/موضوع الخطاب، لدراسته من خلال العنوان والتكرير وإبراز عامل الانسجام من خلال معرفة العالم /المعرفة الخلفية.

كلمات مفتاحية:الاتّساق اللغوي – الانسجام – التماسك – اللّغة.

الاتساق اللغوي و الانسجام في قصيدة “الأم الحزينة” للشاعر خليل حاوي.

المقدمة:

  لقد احتلّ موضوع الدراسات النصّية موضعًا مركزيًّا في الدراسات اللغوية المعاصرة انطلاقًا من مبدأ أنّ لسانيّات النص مدخل مهم لانسجام و تماسك النصوص و من أهم المفاهيم التي عنيت بها لسانيات النص مفهوم الاتساق الذي يحتلّ موقعاً مركزيًّا في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجال هذا العلم.

فالاتساق من أهم المسائل التي تطرحها لسانيات ما بعد الجملة ومن أهم القضايا التي لقيت اهتماماً كبيراً من علماء العرب والمسلمين في دراستهم للنّصّ القرآني أو النّصوص الأدبية. والاتّساق من الأدوات اللغوية التي تسهم في تماسك النصّ لتشكل وحدة دلالية حيث أنّه “مفهوم دلالي يحيل إلى علاقة معنوية داخل النصّ”(خطابي،1991، ص15)

 

الاتّساق في النّصّ:

يقوم النّصّ الّلغوي على مجموعة من العلاقات متجاذبة الأطرافِ، ومتعالقة الدلالاتِ، وتتجسّد هذه العلائق بين مكوّنات النصّ، عبر مجموعة من الإمكانات المتاحةِ في اللغةِ، التي تشمل الوسائل الّلغوية الشكلية، إضافةَ إلى العلاقات النحويَة والمعجميَة .

ولا شكّ أنّ مقاربة النصّ الشّعري، ومحاولة الوقوف على هندسته التركيبيّة تختلف عن مقاربة غيره من النصوص، ذلك أنّ لغة الشعر مراوغة ومخاتلة؛ تسعى دومًا إلى إعادة التشكل، وتغيير المواقع المعهودة، من أجل إثارة المتلقي، وبناء الدلالات المستفرّة.

ولتبيين العلائق التي تجعل من النصّ بنية متكاملة، لا بدّ من البحث عن معينات الاتساق التي تضمن استمرار النصّ، ومن أجل اكتشاف الترابط  النصّي في هذه القصيدة  سنركّز على اكتشاف وسائل الاتّساق النحوي ثم المعجمي، ثم نعرّج على مظاهر الانسجام كذلك.

فالاتساق والانسجام  من مظاهر الترابط، بالغة الأهمّية في النص، لضمان حبكه وتماسكه، وهذا ما جعل اللسانيون يهتمون بهما، ويفردون لهما مباحث خاصة.

تعريف الاتساق:

جاء في لسان العرب: “اتّسقت الإبل واستوسقت؛ اجتمعت، وقد وسق الليل واتّسق؛ وكل ما انضمّ فقد اتّسق، والطريق يتّسق أي ينضمّ” (ابن منظور، 2003، ص1032) وفي التّنزيل: {فلا أقسم بالشّفق واللّيل وما وسق والقمر إذا اتّسق}

ويقول الفراء: “وما وسق أي وما جمع وضمّ، واتّساق القمر: امتلاؤه واجتماعه واستواؤه، والوسق ضم الشيء إلى الشيء، والاتّساق الانتظام، ووسقت الحنطة توسيقا أي جعلتها وسقا وسقا” (ابن منظور، 2003، ص457-458)

فالاتّساق بنية تحكم سطح النصّ، وتوظّف مجموعة من الرّوابط والآليات الشكلية النّحوية والمعجميّة، للرّبط بين الجمل والمتتاليات في النصّ ليصبح بناءً نصّيًّا متماسكًا.

تعريف الانسجام:

الانسجام لغة، هو التتابع حيث جاء في لسان العرب ” ا َجم ُه س ُم َسج ُه و ت َسجم سجمت العین الدمع ، و هو جريان الدّمع ، و السحابة الماء تسجاما وسجوما : سلیانه ، و انسجم الماء  إذا انصبّ، وَسجمت السحابة مطرها تسجمه إذا صبّته و الانسجام هو الانصباب َ” (ابن منظور، 2003، ص457-458)

أما  اصطلاحًا؛ فقد ظهر مصطلح الانسجام عند الغرب بلفظ ” coherence ”   و معناه  الالتحام، ویتطلب من الإجراءات ما تنشّطُ به عناصر المعرفة لإیجادِ الترابطِ المفهومي و استرجاعِه ، ” و تشتمل وسائلِ الالتحامِ على عناصرَ منطقیة كالسببیةِ و العمومِ والخصوصِ، ومعلومات عن تنظیم الأحداثِ والأعمالِ  والموضوعاتِ و المواقف، مع المعرفةِ السابقةِ بالعالمِ” (الخوالدة، ص45)

إنَّ الاتساق يعتبر شرطًا ضروريًا وكافيًا للتعرّف إلى ما هو نصّ وعلى ما ليس نصًا ، وتشكلُ كلّ متتالية من الجملِ، كما يذهب إلى ذلك هاليداي ورقية حسن، نصًا شريطة أن تكون بين هذه الجمل علاقات، أو على الأصحّ بين عناصر هذه الجمل علاقات”(خطابي،1991، ص15)

و من أجل تحقيق  الترابط النصّي لابدّ من توفير مجموعة من الظّواهر التي تعمل على تحقيق الاتّساق في مستوى النص، ومن الوسائل التي وظّفناها هي: الإحالة، الحذف، الربط والاتّساق المعجمي.        

أولاً: الإحالة

تعتبر الإحالة أداة تربط بين الجمل والعبارات والنّصوص فهي تعني العمليّة الّتي بمقتضاها تحيل الّلفظة المستعملة على لفظة متقدّمة عليها أو متأخرة  كما أن الإحالات تعتبر أدوات لسانية ذات مستوى دلالي داخل النص وخارجه، وتتميز بعلاقات تتطابقيّة لا استبداليّة استبعادية، وتتمثّل في أنّ” العناصر المحيلة كيفما كان نوعها، لا تكتفي بذاتها من حيث التأويل، إذ لا بدّ من العودة إلى ما تشير إليه من أجل تأويله.” (خطابي،1991، ص11)

 وتنقسم الإحالة إلى نوعين رئيسيّين: الإحالات النصّية و الإحالات المقاميّة.

 

الإحالة النصّيّة

الإحالة النصّية (الداخلية) تعمل على اتّساق النصّ بشكل مباشر، وتماسك أجزائه بعضها ببعض، وهي عودة العنصر الإحالي على العنصر الإشاري (المفسِّر) داخل النص، وتعمل الإحالات النصية على تماسك النص باتجاهين السابق واللاحق لأن “الضمائر التي تعمل داخل النص تحيل إحالات قبلية نمطية أو بعدية، ويندرج ضمنها ضمائر الغيبة إفراداً أو تثنية أو جمعًا:(هو، هي، هم، هن، هما…) وضمير المتكلم والمخاطب، وأسماء الإشارة والاسم الموصول وغيره.” (خطابي،1991، ص17)

تبدأ القصيدة عند حاوي بمشهد الضبابية والمجهول و بأسلوب استفهامي يطرح تساؤلا منذ البداية:

ما لوجه اللّه صحراء

وصمت يترامى عبر صحراء الرمال

ما لضيفٍ غاضبٍ

يوقد نارَه

حوله الآفاق جدران مغاره

حوله أيدي الرجال (ديوان خليل حاوي،2015 ص263)

في هذا الاستهلال يقدّم الشاعر تساؤله ويبرز ما بجعبته من تناقضات بين الصمت و الغضب مستخدماً صيغة الغائب التي تعود للضّيف حيث برز كعنصر إشاري نصّي تعود عليه العناصر الإحاليّة الداخلية ( ناره، حوله، مغاره، حوله) وبذلك تتحقق الإحالة النصّية .أما من خلال هذه الأبيات نجد أن ضمير الغائب يعود للأمّ، فالغائب يحتل الصّدارة في تواجده في النص .

ما لأمٍّ شيعت

ألف مسيحٍ و مسيح

و أراقت دمها المجنون في أعياد حزنٍ

وانتشت بالحزن و اشتفت جنونه

ما لها الأم الحزينة

ترتمي صخراً على الصخر

سوى شعرٍ يلوح

خصل تنفضها الريح و تلقيها

على طفلٍ ذبيح (ديوان خليل حاوي،2015 ص267)

تتكرّر ضمائر الغائب في أكثر من موضعٍ في القصيدة حيث أنها ذات إحالة داخلية، و تعدّ أساساً في الربط النصّي فكما نلاحظ أنها تربط اللاحق بالسابق حيث” أن الضمير يدفع اللبس في الكلام و اختلاطه بغيره، وتحقق نوعاً من الاختصار لعدم الحاجة إلى تكرار اللفظ، فيغني عن الضمير دون استحضاره ثانية .”( حسان،1979، ص18)

ففي النص ضمائر كثيرة، منها ما لها دور في عملية التخاطب، وخاصة بالمتكلم على نحو(حمّلته –وحدي – كفنته- وجهي –حسرتي لحمي– دمي– أرضي) وبالتالي فهي ذات إحالة مقالية تساهم بشكل كبير في تحقيق الترابط والتماسك. وإلى جانب علاقته الشكلية بالتركيب فهو يمثل المادة التي تصل بين الألفاظ فتجعل منه بنية متماسكة في المعنى لا اللفظ، حيث يظهر الضمير ليشكّل جسراً يربط بين الجمل المتناثرة.

ومن خلال الدلالات التي أشارت إليها الضّمائر أعلاه، نستدل على أن (خليل حاوي) بإحالته بوساطة الضمائر دلّ على المقابلة بين المتكلم الذي هو نفسه في النصّ، وبين عدّة مخاطبين منهم(الرذجل الغاضب، الميّت ،الرّياح،الملاك، بيت القدس،الأم،الوحوش ) وحمًل نفسه ثقل العار  فاستسلام وتراجع كل حرٍّ أبيٍّ أسقط المزيد من الشهداء.

 إنّ الإحالات المقامية غير متوفرّة في النّص لكونها إحالات خارج النصّ، المحال إليه فيها غير محدد، بينما تنتشر الإحالات التي تتمثل في المقارنات العامّة القائمة على التشابه و الاختلاف في قول الشاعر:

“ما لثقل العار

هل حمّلته وحدي

وهل وحدي ترى كفّنت وجهي بالرّماد

الجنازات الّتي يحملها الصبح

تدوّي في جنازات السّهاد

الحياة انطفأت و انطفأ السيف

وأضواء البروج

ليس في الأفق سوى دخنة فحمٍ

من محيطٍ لخليج

  ليس في الأفق  سوى ضفّة نهر، وبيوت لا تبين”(ديوان خليل حاوي،2015،ص265-266)

تبرز مركّبات التشابه بشكل لافت في هذا المقطع الشّعري حيث تصبُّ في حقل معجميٍّ واحد معنون بالجمود و الذبول وصولًا إلى انتفاء الحياة (الرماد، جنازات،انطفأ دخنة فحم ،الأفق، لا تبين) أمّا المفارقة بين الصبح و السهاد و بين الانطفاء و الأضواء لأمر يلفت القارئ في هذا التناقض الذي يوضح أن الحياة تفقد رونقها ولذّتها عند الشّعب و التشاؤم هو سيد الموقف أمّا الاستسلام والانهزام يدنو شيئًا فشيئا من هذه الأمة. فالأمّة العربيّة لم تفقد الأمل في النّصر ، بل إنها في طريقها نحو الانتحار والزوال و الدّمار.

 

ثانياً: الحذف

من أدوات الاتّساق داخل النص، وهو ذو علاقة قبلية مع عدم وجود أثر للمحذوف، وهو على النّقيض من الاستبدال الذي يبقي أثرًا للمستبدل “فعلاقة الحذف لا تخّلف أثرًا، وهذا يعني أن الحذف عادةً علاقة قبلية إذ لا يحلّ محل المحذوف أي شيء “(خطابي،1991، ص21)

الاتساق اللغوي و الانسجام في قصيدة “الأم الحزينة” للشاعر خليل حاوي.

يقول روبرت دي بوجراند عن الحذف أنه :”استبعاد العبارات السّطحيّة لمحتواها المفهومي أن يقوم في الذهن و أن يوسّع أو أن يعدّل بواسطة العبارات النّاقصة”(حسان، 1998، ص301).

كما أنّ الحذف يثري التأويل ويخدم الانسجام، ويتناسب تناسبًا طرديًا مع التأويل، شأنه في ذلك شأن الإحالات المقامية، فهو أداة اتّساق من حيث هو أداة لغويّة، بيد أنّ أثره يصبّ في باب الانسجام، إذ الجسد اتسّاقي والرّوح انسجاميّة.  ” ولأنّه مما يخفى من الأدوات في النص ويطلبه المعنى فنرى أن يكون الحذف من موضوعات الانسجام الفاعلة، التي تعدّ ظاهرة أسلوبية تزيد من التشتت والانقطاع في لغة النصّ، ذاك أنّ أطرافًا من النصّ قد تغيب، حتّى يبدو مجتزأً وغير مكتمل في صورته اللّغوية الظّاهرة، لكنّها ضمنيًّا تعكس جمالًا عليه في حال الوصول إلى مقاصدها وبناء انسجامها وسطوع إبداعية ناظمها ” (حسان، 1998، ص340) فهو يشير لأشياء غائبة حاضرة في الخطاب الشعري..

  يقول الشّاعر خليل حاوي:

“ما لضيفٍ غاضبٍ          

يوقد ناره

حوله الآفاق جدران مغاره

حوله أيدي الرجال

غابة تمشي

 ويمشي معها تيه الصحارى و البطاح”( ديوان خليل حاوي،2015،ص263)

 حذف الحال بعد (يوقد ناره) فلو كرر الشاعر حال الغضب للنار (يوقد ناره الغاضبة) فسيُحدِث خللاً في النص ويجعله مليئًا بالحشو غير الطّائل،أمّا في البيت الشّعري (غابة تمشي) فالمستعار منه محذوف وموقع الغابة لم يذكر وهنا يقع دور المتلقّي في تقدير المحذوف والكشف عن إسهامه في الاتّساق النصّي، ونشير على :”أنّ الحذف لا يتم إلا إذا كان الباقي في بناء الجملة مغنيًا في الدّلالة، كافيًا في أداء المعنى لوجود قرينة معنويّة ومقاليّة تومئ إليه وتدلّ عليه ويكون حذفه معنى لا يوجد في ذكره.”(عبد اللطيف،2003،ص259) يحذف الشاعر الفعل انطفأ من البيت الشعري (وأضواء البروج) و اكتفى بالإجابة في البيت الشعري الذي سبقه(الجباه انطفأت و انطفأ السيّف) وهو حذف جائز وليس واجبًا، وفي كلّ ذلك فإن (الشاعر) يعمد إلى الحذف بنوعيه (الواجب والجائز) من أجل أن يجعل من نصّه متسقًا ومتماسكًا.” فبقدر معرفة المتلقّي بعالم النصّ وسياقاته المحيطة به تتحقق قدرته على اكتشاف المحذوف وتقديره، ومن ثم يصبح أثر الحذف هو توسيع السيطرة الدّلالية لجملة معينة إلى جملة أو جمل أخر تليها، وتتقاطع معها في المعنى ذاته مما يساهم في تحقيق النصّيّة، لأنّ المحذوف يعامل من ناحية الدّلالة معاملة المذكور.”(الفقي، 2/246).

ثالثًا:الرّبط أو الوصل

هي مجموع الوسائل الّلغوية الّتي تعمل على ربط الجمل بعضها ببعض عبر مستوى أفقي لتشكّل علاقات منتظمة بينها”  (حسان،1998،ص301-302)  وبمعنى آخر هو تحديد للطّريقة الّتي يترابط بها اللّاحق مع السّابق بشكل منتظم، فالنّصوص عبارة عن متتاليات من الجمل المترابطة ترابطًا سطحيًّا على وفق منهجية معينة.            

و يقدّم علماء النص تصوّرًا دقيقًا لصور الربط النصّي فيذكرون: ” أنّ التّماسك خاصّية دلالية للخطاب، وتعتمد على كل جملة مكونة للنّص في علاقتها بما يفهم من الجمل الأخرى، ويشرحون العوامل التي يعتمد عليها الترابط على المستوى السطحي للنّصّ: وما يتمثّل في مؤشرات لغوية، مثل علامات العطف والوصل والفصل والترقيم وكذلك أسماء الإشارة وأدوات التعريف، والأسماء الموصولة، والزمان والمكان، وغير ذلك من العناصر الرّابطة التي تقدم بوظيفة إبراز العلاقات …. بين العناصر المكونة للنّص في مستواه الخطي”(بحيري،1997،ص123)      

 وللوصل أنواع: الوصل الإضافي، والسببي، والعكسي، والزمني. وقد عملت أدوات الوصل على تقريب ذلك الذي أبعدته أدوات الإحالة المقامية والحذف، مشكلة علامات في طريق التأويل الصحيح؛ تشد النص وتجمع بين التراكيب ليخرج النص عملا متكاملا مع الأدوات الأخرى التي تعمل داخله. وقد تجلّت أدوات الوصل الإضافي ولاسيما (الواو) في شد وربط القضية الأساسية في النص الشعري؛ ألا وهي العار الذي لحق بالأمّة العربية بعد القتل والمجازر والتّهجير الذي لحق بالفلسطيني والضّمير انعدم والصّمت سيّد الموقف فيقول الشاعر:

“والعار المغنّي خلف آثار النعال

وضمير الله صحراء

وصمت يترامى عبر صحراء الرمال

ما لأم شيعت

ألف مسيح و مسيح

وأراقت دمها المجنون 

وانتشت بالحزن و اشتفّت جنونه” ( ديوان خليل حاوي،2013،ص266-267)   

هذا نموذج في الوصل الإضافي بحيث أنّ الواو تكرّرت (18 مرة) وفي كل مرّة عملت )الواو( على الرّبط بين الجمل أو بين الكلمات أو الأفعال، وذلك بإضافة معاني جديدة لم تذكر سابقاً. وقد جاءت )الواو) في النص على سبيل الجمع المقيّد المراعي للتّرتيب والحاصل للمعنى العام في ذهن المتلقّي بعلاقته الموجودة بين المعطوفات.

أما العطف بين الجمل، الغرض منه ربط الجملة بالجملة فتتصل بها في اللفظ والمعنى، فيتماسك النصّ وتتشكّل الوحدة الكلّية فيه . والعطف يكون بين الجمل المتفقة في النوع و الزمن كعطف الفعل على الفعل شريطة اتحاد زمنيهما لأن العطف يقتضي المشاركة في الحكم الإعرابي كقول الشاعر: (وانتشت بالحزن، فعل ماض عطف عليه فعل ماضٍ ثانٍ، واشتفّت جنونه) . لقد كثر هذا النوع من الوصل حيث شكّل إحدى أدوات وعناصر الاتّساق النصّي والتّماسك اللّغوي.

 

رابعًا: الاتّساق المعجمي

 يشكّل الاتّساق المعجمي مظهرًا من مظاهر اتّساق النصّ إذ يتّخذ وسائل أخرى غير الوسائل النحوية ، ففيه تتّحد الكلمات المتشابهة أو المرادفة في النصّ فتنتج خيطًا من المفردات المتشابهة تحقّق بفضله التّرابط النصّي، ” ويتمّ بوساطة اختيار المفردات بإحالة عنصر لغوي إلى عنصر لغوي آخر، فيحدث الربط بين أجزاء الجملة أو بين متتالية من الجمل من خلال استمرار المعنى السّابق في الّلاحق بما يعطي للنصّ صفته النصّية.”(محمد، 1999، ص105)

ينقسم الاتساق المعجمي إلى قسمين: التكرير والتضام.

التكرير

“وهو شكل من أشكال التّماسك المعجمي الّتي تتطلب إعادة فصل معجمي “(عفيفي،1997،ص106) أو وجود مرادف، كما أنه يتمثل في تكرار لفظ أو عدد من الألفاظ في بداية كل جملة من جمل النص قصد التأكيد.

ومن شأن إعادة اللفظ أن تنطبع في الذاكرة، و من ثمّ ينبغي للعملية الاجرائيّة أن تكون سهلة، إذ أنّ نقطة الاتّصال في نموذج العالم ذي الاستمرار النصّي أن تكون واضحة .”(دي بوجراند،1998، ص304)  لتؤدّي وظيفة الإفهام والإفصاح  والكشف  والتأكيد والتقرير والإثبات.

وقد ورد التّكرير في النصّ بشكل واضح مع ما يحمل في طيّاته من تأكيد للمعاني والموضوع العام في النصّ من باب التغريض والبنية الكلّية في النصّ، فنجد الشاعر يكرّر بعض الأسطر الشعرية. فهو يكرّر بداية القصيدة (ما لوجه الله صحراء، وصمت يترامى عبر صحراء الرّمال) و لكنّه تكرير قليل ويكرّر الشّاعر ألفاظًا وعبارات من مثل(صحراء، الرمال، الرياح، صمت، الله، الميت، انطفأ، ليس في الأفق، حزن، الأم…) وذلك في مسعى لتكثيف الدلالة.

  كذلك يكرّر الشّاعر ألفاظًا في المقطع الواحد حيث يصوّر فيه المرارة والألم الّتي تعانيه الأمّ من الفقد و قلبها الّذي يفجع كل مرّة عند سقوط شهيد:        

   “ما لأمٍّ شيّعت

ألف مسيح و مسيح

وأراقت دمها المجنون في أعياد حزنٍ

وانتشت بالحزن واشتفّت جنونه

 ما لها الأم الحزينة

  ترتمي صخراً على الصخر”(ديوان خليل حاوي،2013، ص267)

 “فالشاعر لا يكرّر شيئًا في النص إلا ويقصد أن يرسّخ مقولة ما من خلال ذلك ويعزّز رؤيةً يرى أنّها جديرة بالالتفات .”(الرواشدة،2006،ص46)

وفي محاولة إحصائيّة للتّكرير تبيّن لنا ما يلي من خلال هذا الجدول، حيث كرّر الشاعر:

لازمة القصيدة: مرتين، الاستفهام: 10 مرات، النفي: 8 مرات، الجمل الفعلية: 23 مرة، الجمل الاسمية: 44 مرة

يقع هذا التكرير ضمن الخطاب الاقناعي ، وهو عنصر قوي من وسائل الاقناع سواء أكان بنائيًّا أم معنويًّا، ففي الحالتين سيعكسان أثرهما في الدّلالة والسبك. ولا ننسى أنّ التكرار له وقع موسيقي لما فيه من إيقاع متّسق و متناغم ٍوحسن تقسيم، وقد نجح شاعرنا في اختيار جمل مشتركة في الشكل والدلالة وهذا ما ساهم في تماسك بنية النص الكلّية حتى أنّ تكرار شكل الجملة محتفظًا بقالب الأبنية هو مجال أوسع من تكرار الألفاظ وهذا دليل على تمكّن الشاعر من ناصية الّلغة والقدرة على توظيفها في تراكيب تدعم معانيه.(ما جدار الصمت…وصمت يترامى…في عروق الأمّ صمت…)

التضام

من آليات الاتّساق المعجمي، وهو ” توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوة نظرًا لارتباطها بحكم هذه العلاقة أو تلك سواء أكانت العلاقة قائمة على التعارض الكلي أو الجزئي، وغالباً ما يحدّد ذلك حدس المتلقّي الذي يخلق سياقًا تترابط فيه العناصر المعجمية تلك”(خطابي،1991،ص25) وقد ورد ذلك النوع من الاتساق ولكنّه لا يشكّل أداة تسعف على اتساق النص نظرًا لضعف وروده في النصّ ومن أمثلته:

“ما ترى تحكي الرياح

       عن جراحٍ فاتها الثأر

               وما يسكب من ضوءٍ و مسكٍ

                            في الجراح”(ديوان خليل حاوي،2013،ص264)

 تبرز عملية ضدّية تناقضية بين الثأر وبين المسك والغار فهما مركّبان لا يتوافقان في الدلالة والمعنى ولكن من خلال الجوّ العام للقصيدة تتشكّل الفكرة الّتي يودّ الشّاعر خليل حاوي إيصالها فالأخذ بالثّأر ما عاد ينفع والتّعالي على الجراح زالت .

 أمّا في قولٍ أخر:

“ما حماه البيت والعار يغنّي

والضحايا تستباح

لم ترَ الجنّة في ظلّ الرماح

ويظلّ العار حيّاً في جفون الميت

حيّاٍ

تجلد الميت رؤاه وتذلّه.

لن تروي قبره

 رائحة الغار و ظلّه” (ديوان خليل حاوي،2013،ص265)             

يسلّط الشّاعر خليل حاوي الضّوء على الواقع المرير في قصيدته “الأم الحزينة” المأخوذة من ديوان (الرّعد الجّريح) حيث أبرز القمية المضادة للعار وهي الغناء، فالعار عمل مشين  وصفة دونيّة تلحق بالشّخص أو الأمة أما أن يغنّي العار فعلى هذه الأمة سلام وألف سلام فقد اعتادت الهزيمة والانحطاط، حتّى أنّ العار قد لاحق الميت وذلك مبالغة من الكاتب للتّاكيد على الدّلالت التي يبرزها فقد حلّ محلّ الغار والطّيب روائح العار.

 

الانسجام في النصّ:

إنّ البحث عن الكيفية التي يتماسك بها النصّ لا تقتصر فقط على أدوات الرّبط السّطحية الّتي لاحظناها في المبحث الأوّل من الاتّساق اللغوي ، وانّما تتعدّاها إلى البحث في مستويات أعلى تتمثل في الانسجام. والانسجام معيار يختص بالاستمرارية المتخصصة في باطن النص: “يتألّف من عدد من العناصر التي تقيم فيما بينها شبكة من العلاقات الداخلية التي تعمل على إيجاد نوع من الانسجام والتماسك بين تلك العناصر، وتسهم الروابط التركيبية والروابط الزمنية والرّوابط الإحالية في تحقيقها”(بحيري، 1997،ص78)

فالنّص بهذا المفهوم ليس تتابعًا عشوائيًّا، ولا رصفًا اعتباطيًّا لمجموعة من الكلمات والعبارات فقط، وإنّما هو نتاج مترابط ومتماسك، ذو بنية مركبة ذات وحدة دلالية كلية شاملة تجسّدها العلاقات النحوية والتركيبية الكائنة بين جملة وقضاياها، فالانسجام أو التّماسك المعنوي كما يسمّيه بعضهم”(محمّد،1999،ص148)،أو الحبك والترابط المفهومي الذي يمكّن القارئ من إدراك تدفّق المعنى الناتج عن تنظيم النص، ومعه يصبح النص وحدة اتصاليّة متجانسة” (محمّد،1999 ،ص148) فالانسجام إذًا يرتكز أساسًا على العلاقات الدلالية الكائنة بين أجزاء النص، ويتحقق عن طريق إجراءات تنشط عناصر المعرفة للوصول إلى الترابط المفهومي، هذا على عكس الاتٍّساق الذي يقوم على العناصر الشكلية فقط.

وللانسجام مبادئ وعمليات يقوم عليها و منها في هذه الثنائية:

البنية الكلّية / موضوع الخطاب

يتحقّق الانسجام وفقا للوظيفة التي يؤديها موضوع الخطاب، فلكلّ خطاب – كما يرى ديك – بنية كلية ترتبط بها أجزاء الخطاب.” (خطابي،1991، ص46) ويقصد بالبنية الكلية أن يكون للخطاب جامع دلالي وقضيّة موضوعيّة يتمحور النص حولها ويحاول أن يقدّمها بأدوات متعددة .”(الرواشدة،2006،ص46)

ولمعالجة البنية الكلية في القصيدة سنلجأ إلى دراستها من حيث العنوان والتكرار.

العنوان

يؤدي العنوان وظائف متعددة تدفع باتجاه فهم النص، ذلك إذ يحمل جزءًا أساسيًا من رسالة النص، ويمثل العنوان في أحيان كثيرة “بؤرة للقصيدة” (الرواشدة،2006،ص46) أو النص ومفتاحه، ويمكننا أن نستهدي به على تحديد رسالته. فالعنوان يشكّل مدخلاً ضروريًا للنّصّ، وهو مصباح ينير للقارئ شيئاً من عتمة النص وأداة جذب وتشويق كي يقبل القارئ على النصّ سابرًا أعماقه، مستثيرًا الهمة والتفكير معًا، فيضع القارئ في قلب الحدث، ويعطيه الخيوط الّتي ينسج منها النص من جديد.

 إنّ الشّعراء حين يضعون عنوانًا لقصائدهم، إنما يقصدون هدفًا و دلالةً، و لقد لخّص أحدهم وظائف العنوان في ثلاثة أمور: وهي التّحديد و الإيحاء ومنح النّصّ الأكبر قيمته، و عنوان الديوان  لهذه القصيدة شكّل كسرًا لتوقعات القارئ حيث تحوّل من دلالة إيجابية إلى دلالة سلبية حيث تحول الرعد رمز القوة والرعب إلى مظهرٍ من مظاهر الانكسار والخوف “الرعد الجريح”.

أمّا عنوان القصيدة “الأم الحزينة”  لم يكن برّاقاً يجلب النظر إليه بقدر ما كان شاحبًا يائساً…ولعل القتامة من عوامل الجذب التي تدفع القارئ لاستجلاء الغموض والبحث عن الأسباب.

فالعنوان يوحي بالألم، في زمنٍ كلّه آلام، فهو لا يمثل القشة التي يتشبث بها الغريق، ولكنه مع هذا مثل مضمون النص وقضيته فالنّصّ مبني على ثنائية الألم والأمل، ويمثّل الألم في العنوان ذاك البلاء، فواقعنا عداك عن واقع فلسطين بالٍ متهالك تنهشه الآلام والمحن والفرقة والغربة عن الذات والأمة.

والشاعر يبدأ من هنا، صحراء، صمت، غاضبٍ، غابة تمشي، الرياح وآلام شعب مشرد، وبيت مقدس مهتوك،وأم تبكي أبناءها، وشعب يشعر بالعار والذلة، وأساليب من القهر والاحتلال، وانتظار، وحسرة، وصمت.

ولكن من جانبٍ آخر الأم حزينة وليست  مستسلمة فالحزن لا يعيب حالة الأم وهو حالة مؤقتة تمرّ بها لظروف معيّنة إلى حين تغيّر الحال، فبعد الحزن والصمت والصبر لن يظهر إلّا الامل والفرح والانعتاق. وهذا هو الجانب المضيء من الأم الحزينة، جانب الخلاص والأمل، فالحزن لن يدوم لأنّ من يشعر به لن يرتضي هذه الحالة مطوّلاً.  وهذا هو الجانب الآخر من الثنائية التي بنيت عليها القصيدة، جانب الأمل والإصرار على العودة والخلاص من المحتلّ ما دامت الأمّ غير مستسلمة سيخفق الانتصار في رياح الحزن والشدة، ستظلّ راية العودة خفّاقة هي أيضًا.

وهكذا يمسك العنوان القصيدة من أولها إلى آخرها، فقد أعطى إشارات لمضمون القصيدة مهما كانت خافتة للوهلة الأولى، فالفعل “لا يبالي “آخر القصيدة قد أثبت عمقه،على الرغم من عدم تكراره في النص  ولكن تكشّفت دلالات عديدة من خلاله.

 

التكرار

لقد أسهم التكرير في انسجام النص، فربط بين أجزاء النصّ ووحّد الهدف، وقد قدّمنا عن موضوع التكرير في دراسة الاتّساق وأثره. ولكن نشير هنا إلى ارتباط دلالي بين العنوان وتكرار قوله:

“ما لها الأم الحزينة

ترتمي صخراً على الصخر

سوى شعرٍ يلوح

خصلٍ تنفضها الريح و تلقيها

على طفلٍ ذبيح.”( ديوان خليل حاوي،2013،ص267)

 في تكرار العنوان (الأم الحزينة) بين ثنايا النصّ وبشكل استغراب وتعجّب نستدلّ على أنّ الأم قد تعايشت مع هذا المظهر بل حتى أن ذلك لن يمنعها من الانتفضاض يوماً فقد أصبحت تتمتع من الصلابة ما يكفي ورغم الحزن فراية النصر لا زالت خفاقة.

معرفة العالم/ المعرفة الخلفية

يُقرأ النص الأدبي في ضوء معرفتنا الخلفية كآلية من آليات انسجام الخطاب ومعرفتنا للعالم تشكل أرضية ننطلق من خلالها إلى عالم القصيدة، لتشكيل رؤية عنها، وهي تعتمد على ثقافة المتلقي وأدواته المعرفية، “فالشاعر يستدعي النص الشعري ومكوناته من خلفياته المعرفية.” (الرواشدة،2006،ص46)

وكثيرا ما يعتمد القارئ على التاريخ والتراث وجميع أشكال المعرفة ؛ فتشكّل المخزون الذي يستثمره الشّاعر والمتلقي، لتقديم الرؤى، ولعلّ معرفتنا بشاعر القصيدة تعتبر أوّل إضاءة في معرفتنا للعالم، وتضع أقدامنا على أوّل عتبة من عتبات فهم النص، فالشاعر مقاوم يكافح من أجل الحرية والحقّ، وهذه المعرفة تساعدنا في رتق الهوى التي تنتج عن نقص أدوات الاتّساق. وأوّل ما تطالعنا به القصيدة، الصّمت السّائد في الصّحراء وغضب يلفّها، وتستمرّ القصيدة في ذكر ألوان المعاناة الّتي يتعرّض لها ذلك المناضل، والأم الحزينة والضحايا والعائدين، ويضاف إليها عناوين أخرى من مثل: تيه الصحارى، سيف ملاك، الكفار، أبناء الأفاعي، جفون الميت، وحوشٌ، كابوس حمّى …كلّ هذه المفردات والتراكيب تبقى مبهمة إن لم يكن لدى المتلقي خلفية معرفية وأطر متنوعة، ومدوّنات، وسيناريوهات، توحّد المشهد وتجمع أشتاته ليصبح النصّ منسجماً ويتشكّل الخطاب.

“ما التماع النّاب و الحربة

في وجهي المدمّى

حسرتي، لحمي، دمي

أرضي الّتي يمتصّها كابوس حمّى

ما جدار الصمت في وجه إلهٍ

يتناءى عبر صحراء الأعالي

في عروق الأم صمت حجريّ لا يبالي”(ديوان خليل حاوي،2013،ص268)

فالمشهد في القصيدة بحاجة للَملمة؛ من أجل بناء درامي سليم في شكل منسجم متآلف، وهذا لن يتأتّى إلا بوجود متلقّ مثقّف يتمتّع بخلفيّة ثقافيّة عامّة أو خاصّة واعية، يحلل من خلالها معطيات النصّ مستدعيًا الأطر، وتعمل الخطاطات وتتحرك المدونات لتشكل الانسجام، ويظهر الخطاب إلى حيّز الوجود. إنّ الموروث الثّقافي والتّاريخي وكلّ المكتسبات المعرفيّة الأخرى تساعد على فكّ الرّموز والكنايات:

“ما وحوشٌ تدّعي الميزان و العرش

وتزهو و تعالي

تدفع الأرض إلى كهفٍ

تضلّ الشمس عنه و مصابيح الليل”(ديوان خليل حاوي،2013،ص269)

فعبارة وحوش تدعي الميزان والعرش تحتاج لمعرفة ثقافية تتعامل معها وتضعها في سياقها العام الصحيح في النص.

إنّ النّاظر إلى بداية القصيدة ونهايتها إن لم يكن مثقفًا سيجد تنافرًا، فما الّذي يجمع الأبيات، بل ما الّذي يجمع وجه الله مع جفون الميت مع عروق الأمّ،  ولكن بوجود المتلقّي ذي المعرفة الثقافية ينسجم النصّ ويتماسك ليشكل سنمفونيةً خلاّقة.

 رغم المشهد الحزين والبشع الذي يقدمه لنا حاوي ، مشهد الصمت والحزن، مشهد الاستباحة والعار والموت إلّا أنّ الإصرار على الانتفاض على عدوٍّ جائرٍ هو ليس بالمستحيل فالأمل لم ينقطع بل هو أمل مبني على حق العودة وحقّ استرجاع البيت والأرض والعرض ، فحبُّ الوطن قيمة منغرسة في النفوس عند كلّ أبيٍّ مناضل.

الخاتمة:

من خلال هذه الرّحلة البحثية في الاتّساق الّلغوي والانسجام نستطيع تلخيص النّتائج التي توصّلت إليها هذه الدراسة بالنقاط التالية:

1- استثمر خليل حاوي أدوات لغوية متنوعة في اتّساق النصّ الأدبي ليخرج بقصيدةٍ متسقةٍ ومتماسكةٍ بأروع ما تخرج به النصوص الأدبية .

2- وضوح وإتقان ومعرفة الكاتب لإجراءات ووسائل الاتّساق النصي من(الإحالة، الحذف، الربط، الاتساق المعجمي) واستخدامه لهذه الإجراءات أوحى بمقدرته على إنتاج نصّ متماسك.

3- انسيابية اللّغة عند حاوي دون أن يعتريها تلكؤ أو صعوبة على التنسيق أو التعبير وذلك يدلّ على  براعة الكاتب.

4- من خصائص النّصوص الحيّة التي تتجدّد كلّما أعاد المتلقي فيها النظر وعلى مرّ العصور أنّها تسمح بالتأويل؛ أي إعادة القراءة والإنتاج للنص أو المشاركة فيه، ويأتي ذلك من البعد عن المباشرة في الدلالات، ومن وسائل البعد عن المباشرة عدم تكثيف عناصر الاتساق التي يؤدي كثرتها إلى جمود النص في المكان والزمان.

***

المصادر و المراجع

ابن منظور: لسان العرب، تحقيق عامر أحمد حيدر، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، 2003م 1424هـ.

بحيري، سعيد حسين: درارسات لغوية تطبيقية في العلاقة بين البنية والدلالة، مكتبة الآداب، القاهرة، ط 1، 2005م.

بحيري، سعيد حسن: علم لغة النص، المفاىيم و الاتجاهات، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1997م.

حاوي ،خليل:ديوان خليل حاوي، بيروت ، دار العودة، ط2015 م.

حسان، تمام: اللغة العربية معناها ومبناها، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1979م.

خطابي، محمد: لسانيات النص(مدخل الى انسجام الخطاب)، ط1،الدار البيضاء،المركز الثقافي العربي،1991م.

الخوالدة، فتحي رزق: تحليل الخطاب الشعري ثنائية الاتساق و الانسجام، دار النشر: جامعة مؤتة.

دي  بوجراند،  روبرت :النص و الخطاب و الإجراء،  تر: تمام حسان، عالم الكتب، ط1، 1998م.

الرواشدة، سامح: في الأفق الأدونيسي، دراسة في تحليل الخطاب الشعري، ط 1، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2006م.

عبد اللطيف ، محمد حماسة : بناء الجملة العربية، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، ط2، 2003م.

عفيفي، أحمد: نحو النص ،اتجاه جديد في الدرس النحوي،مكتبة زهراء الشرق،القاهرة،ط1،1997م.

الفقي، صبحي إبراهيم :علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ، دار غريب، القاهرة، )د.ت(.

محمد،عزة شبل: علم لغة النص، النظرية والتطبيق المقامات اللزومية للسرقسطي، مكتبة الآداب، مصر، ط2 ،1999م.

***

 (*) طالبة في الجامعة اللبنانية كلّية الآداب و العلوم الإنسانيّة  قسم:الّلغة العربيّة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *