لبنان كلُّه صائم  والرغيف نبـيُّ الطوائف

Views: 294

الوزير السابق جوزف الهاشم

ينتهي صيام المسيحيين دينيّـاً ، ويبدأ صيام المسلمين الديني ، ويبقى اللبنانيون وطنياً في حالة صيامٍ دائم …

عندما ينتهي الصيام عند المسيحيين والمسلمين ، فهل هذا يعني أنَّهم يتمتَّعون من بعدُ ، بالصيام الوطني وهنيئاً يأكلون …؟

المسيحيون والمسلمون والوثنيون في لبنان ، باتوا ينتسبون إلى طائفةٍ واحدة هي الجوع ، يصومون مع الجوع في موعدٍ واحد ، ويصلُّون لنبيٍّ واحدٍ هو الرغيف .

في أعقاب الثورة الفرنسية كتبت جريدة “المونيتور” تقول : “كان الدم يسيل ولم نفتـقد الخبز ، واليوم لا يسيل الدم والخبز مفقود ، أيَجبُ أنْ يسيل الدم لنحصل على الخبز”…؟

والثورة اللبنانية في 17 تشرين إنطلقت سلميةً للحصول على الخبز … والخبز مفقود ، أيجـب أن يسيل الدم …؟

الخبزُ والقمح والملح وكلُّ ما يتَّصلُ بلقمة العيش والقوت ، إبتلَعهُ عندنا الحوت ، ومع أنّ الحيتان هم أيضاً يصومون … يصومون عن الخبز والنبات واللحوم المذبوحة ، فإنّهم لا يأكلون إلاّ اللحم الحـيّ …

وحيتان البـرِّ يبتلعون أيضاً الأنبياء كمثل ما ابتلعَ حـوتُ البحر يونس النبي .

أكثر الذين يصومون ويصلّون تضليلاً هـمُ اللصوص ، يرفعون أيديهم الملوَّثـة في هيكل الشياطين ، ليس للأغنياء بالحرام مكانٌ في ملكوت الله ، إنَّ بينهم وبين الله عداء ، وكـلٌّ منهم إآـهُ نفسه وصنَـمٌ مـؤلَّـه .

النبيّ كان يصوم مع اليهود في اليوم الذي يُعرَفُ عندهم بيوم الغفران ، دلالةً على ما يوحيه الصوم من مشاعر إنسانية وقِـيَم ، وما يشكّلهُ الجوع من عِـبَرٍ يقتدي بها المتخمون .

      والإمام علي بن أبي طالب يسأل : “كيف تَسيغُ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً …”؟

وأُسقُـف آسيا الصغرى باسيليوس الكبير يعلن : أنَّ الغنيّ الذي يحتفظ بما يزيد عن حاجته يعتبر سارقاً .

وعمر بن الخطاب كان يخشى أن يجوع جَمَـلٌ في الفُرات ويسأَلُه الله عنه .

في الحروب الجائحة لا تعرف البطون الجائعة الرحمة ولا تملك أذنين كما يقول المثل الروسي .

وثورات الجياع لا تزال ماثلـةً في أعين التاريخ ، حين كان المحرومون ينقضّون كالكواسر على الـمُؤَن المخزّنة في أقبيـة القصور …

وفي الحرب العالمية الأولى كان ضحايا الجوع يتزاحمون على جِـيَفِ الحيوانات حتى إنَّ الأمهات كُـنَّ يأكلنَ لحوم أبنائهنّ الأموات …

أنتم كلّكم .. نعم كلُّكم ، هل ترون أنّ الذين واللواتي يأكلون لحوم أبنائهم الأموات ، قد يرحمون الأحياء الذين يأكلون لحومهم .

هل تـرون أن اللبنانيين يرضون بأنْ تكون كلُّ أيامهم صوماً كمثل ما قال شاعر عن أيام أحد الحكّام :    

 أيّامُـهُ مثلَ شهـرِ الصومِ خاليةٌ  

مِـنَ “الطعامِ” وفيها الجوعُ والعطشُ …

      أو هل ترون أنّ “الكورونا” ستؤدي إلى الإنتحار التدريجي وتجعل البيوت قبوراً للمعتصمين جـوعاً فيها …؟

      ماذا يا أنتم … هل يجب أنْ يسيل الـدم ..؟

***

(*)  جريدة الجمهورية  24/ 4/ 2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *