لبنان كلُّه صائم والرغيف نبـيُّ الطوائف
الوزير السابق جوزف الهاشم
ينتهي صيام المسيحيين دينيّـاً ، ويبدأ صيام المسلمين الديني ، ويبقى اللبنانيون وطنياً في حالة صيامٍ دائم …
عندما ينتهي الصيام عند المسيحيين والمسلمين ، فهل هذا يعني أنَّهم يتمتَّعون من بعدُ ، بالصيام الوطني وهنيئاً يأكلون …؟
المسيحيون والمسلمون والوثنيون في لبنان ، باتوا ينتسبون إلى طائفةٍ واحدة هي الجوع ، يصومون مع الجوع في موعدٍ واحد ، ويصلُّون لنبيٍّ واحدٍ هو الرغيف .
في أعقاب الثورة الفرنسية كتبت جريدة “المونيتور” تقول : “كان الدم يسيل ولم نفتـقد الخبز ، واليوم لا يسيل الدم والخبز مفقود ، أيَجبُ أنْ يسيل الدم لنحصل على الخبز”…؟
والثورة اللبنانية في 17 تشرين إنطلقت سلميةً للحصول على الخبز … والخبز مفقود ، أيجـب أن يسيل الدم …؟
الخبزُ والقمح والملح وكلُّ ما يتَّصلُ بلقمة العيش والقوت ، إبتلَعهُ عندنا الحوت ، ومع أنّ الحيتان هم أيضاً يصومون … يصومون عن الخبز والنبات واللحوم المذبوحة ، فإنّهم لا يأكلون إلاّ اللحم الحـيّ …
وحيتان البـرِّ يبتلعون أيضاً الأنبياء كمثل ما ابتلعَ حـوتُ البحر يونس النبي .
أكثر الذين يصومون ويصلّون تضليلاً هـمُ اللصوص ، يرفعون أيديهم الملوَّثـة في هيكل الشياطين ، ليس للأغنياء بالحرام مكانٌ في ملكوت الله ، إنَّ بينهم وبين الله عداء ، وكـلٌّ منهم إآـهُ نفسه وصنَـمٌ مـؤلَّـه .
النبيّ كان يصوم مع اليهود في اليوم الذي يُعرَفُ عندهم بيوم الغفران ، دلالةً على ما يوحيه الصوم من مشاعر إنسانية وقِـيَم ، وما يشكّلهُ الجوع من عِـبَرٍ يقتدي بها المتخمون .
والإمام علي بن أبي طالب يسأل : “كيف تَسيغُ شراباً وطعاماً وأنت تعلم أنك تأكل حراماً وتشرب حراماً …”؟
وأُسقُـف آسيا الصغرى باسيليوس الكبير يعلن : أنَّ الغنيّ الذي يحتفظ بما يزيد عن حاجته يعتبر سارقاً .
وعمر بن الخطاب كان يخشى أن يجوع جَمَـلٌ في الفُرات ويسأَلُه الله عنه .
في الحروب الجائحة لا تعرف البطون الجائعة الرحمة ولا تملك أذنين كما يقول المثل الروسي .
وثورات الجياع لا تزال ماثلـةً في أعين التاريخ ، حين كان المحرومون ينقضّون كالكواسر على الـمُؤَن المخزّنة في أقبيـة القصور …
وفي الحرب العالمية الأولى كان ضحايا الجوع يتزاحمون على جِـيَفِ الحيوانات حتى إنَّ الأمهات كُـنَّ يأكلنَ لحوم أبنائهنّ الأموات …
أنتم كلّكم .. نعم كلُّكم ، هل ترون أنّ الذين واللواتي يأكلون لحوم أبنائهم الأموات ، قد يرحمون الأحياء الذين يأكلون لحومهم .
هل تـرون أن اللبنانيين يرضون بأنْ تكون كلُّ أيامهم صوماً كمثل ما قال شاعر عن أيام أحد الحكّام :
أيّامُـهُ مثلَ شهـرِ الصومِ خاليةٌ
مِـنَ “الطعامِ” وفيها الجوعُ والعطشُ …
أو هل ترون أنّ “الكورونا” ستؤدي إلى الإنتحار التدريجي وتجعل البيوت قبوراً للمعتصمين جـوعاً فيها …؟
ماذا يا أنتم … هل يجب أنْ يسيل الـدم ..؟
***
(*) جريدة الجمهورية 24/ 4/ 2020