توحيدة بن الشّيخ أول طبيبة تونسية ..طبيبة الفقراء

 أسماء الشرقي

(كاتبة – تونس) 

ولدت توحيدة بن الشيخ رحمها الله سنة تسع وتسع مائة وألف  (1909) في مدينة رأس الجبل بولاية بنزرت، إحدى أجمل مدن الشمال التونسي  بعد حصولها على شهادة البكالوريا وهي أوّل تونسية تتحصّل على هذه الشهادة وقد واصلت دراستها العليا في الطبّ بباريس..

تخرّجت سنة ستّ وثلاثين وتسع مائة وألف طبيبة، وناقشت في السنة الموالية رسالتها للدكتوراه… فكانت أوّل طبيبة تونسية وأوّل طبيبة أطفال… 

 

لم تسع توحيدة بن الشيخ إلى العمل في المستشفيات لأنّها كانت مراقبة من قبل المستعمر الفرنسي..كما كانت تعرف أنّ الطّبيبات الفرنسيّات سيضعن أمامها كلّ العراقيل والعراقيل بما أنّها الطبيبة التونسيّة و العربيّة الوحيدة بينهنّ..  

 وقد عملت كطبيبة عامّة ثم اختصّت في طب النساء والتوليد وكانت العائلات التونسية تفضلها على الأطباء الرجال..

 

عرفت الدّكتورة توحيدة بن الشّيخ بعلمها الغزير وإنسانيّتها التي ليس لها حدود فقد كانت تداوي الصغار والكبار مجانا في باب الجديد وباب منارة(1) بالعاصمة فعرفت بـطبيبة الفقراء أو “الطبيبة الي داوي بلاش فلوس”… و ليس من باب الصدفة أن تفتح الحكيمة في الثلاثينات عيادتها في باب منارة قبالة طبيبة الأسنان بن زينة و الدكتور محمود الماطري طبيب الفقراء لتصبح العيادات بمثابة جمعيات خيرية…

انخرطت  الدكتورة توحيدة بن الشيخ في جمعيات ونقابات على غرار لجنة الدفاع عن الحقوق في تونس التي نشط فيها خيرة المناضلين السياسيين في تلك الفترة ..بالإضافة الى مقاومتها العديد من الإشكاليات الاجتماعية مثل مسألة التنظيم العائلي من خلال قراءة شاملة لتحديد النسل والتّنديد بظاهرة الزواج المبكّر…

 

كما اهتمت بالكتابة الصحفية وشغلت خطة مديرة مجلة “ليلى” و هي أوّل مجلة نسائية تونسية ناطقة باللغة الفرنسية… كما تولت عدة مناصب في قطاع الصحة العمومية منها مديرة قسم التوليد وطب الرضيع في  مستشفى “شارل نيكول” .. ورئيسة قسم التوليد وطب الرضع في  مستشفى “عزيزة عثمانة” وشغلت أيضا خطة نائب رئيس الهلال الأحمر التونسي..

نشطت توحيدة بن الشّيخ في الاتّحاد النّسائي الإسلامي التونسي وكان لها دور فاعل في توعية المرأة وإخراجها من عزلتها وتعريفها بحقوقها..

وأسّست في فترة الحرب العالميّة الثّانية جمعيّة الإسعاف الاجتماعي التي ساهمت في إقامة مشروع دار الأيتام و دار المرأة..كما أنشأت جمعيّة ‘القماطة'(2) التونسيّة للعناية بالرضّع من أبناء العائلات المعوزة، أو ذوي الدّخل المحدود .

 

 وافى الأجل عميدة الاطباء سنة عشر وألفين بعد مسيرة كلّلت بالنجاح والعطاء خدمة لتطور قطاع الصحة في البلاد…بعد رحلة طويلة من رأس الجبل إلى تونس وباريس ثمّ العودة إلى تونس في نضال مهني واجتماعي وسياسي ..

 وقد أسّست جمعية توحيدة بن الشيخ للسّند الطبي اعترافا بالجميل للطبيبة التونسيّة التي وهبت حياتها لخدمة قطاع الصحّة في تونس .

كما قرر البنك المركزي التونسي – اعترافا من الدولة التونسية بمزايا ومناقب هذه الشخصيّة الفذة ، و من خلالها  الاشادة بدور المرأة  التونسية الرائد في خدمة المجتمع التونسي وتقدّمه- 

بإصدار ورقة نقدية جديدة بقيمة عشر دنانير تحمل صورة الدكتورة توحيدة بن الشيخ وتخلدها عبر تاريخ الأجيال القادمة.

 

توحيدة بن الشّيخ هي :

إمراة يأتي صوتها من بعيد..

من صهيل الخطوات..

في كّفّها وشم وكتاب

في قلبها أمل بحجم المعجزات..

كم وردة فاحت في يديها

كم طريقا يشهد..

النّشيد أيضا عرف الفقراء..

والكمنجات لم تنس اليتامى 

سلاما على روحها..

سلاما يا ابنة البلد.. 

 

ناضلت الحكيمة توحيدة بن الشيخ في زمن صعب..زمن الاستعمار والتضييقات الكبرى الموجّهة ضدّ المرأة.. كان لها دور ريادي في الحركة النسائيّة في ثلاثينات القرن العشرين..

واستطاعت أن تتسلّح بالعلم وحبّ مهنتها لتفيد وطنها وتنهض بوضعيّة المرأة التونسيّة.. 

وقد وافتها المنية في السادس من شهر ديسمبر سنة 2010 بعد أن حفرت إسمها كإمراة عربية مناضلة وأول طبيبة مسلمة اكتسحت عالم الطب والتقدم في زمن الإستعمار .

***

(1)

• باب الجديد : هو احد ابواب المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية بني عام 1278 في عهد السلطان يحي الحفصي .
• باب منارة : هو أحد أبواب المدينة العتيقة بالعاصمة التونسية بني عام 1276 م في عهد الدولة الحفصية .

(2)

• عبارة تونسية محلييّة : تعني الاطفال في فترة الرّضاعة .