220 عاماً على ولادة ناصيف اليازجي الأديب والشاعر والنهضوي التنويري

Views: 1581

سليمان بختي  

كان الشيخ ناصيف اليازجي 1800-1871 واحداً من اعلام بداية النهضة في القرن 19، وأحد الذين أعادوا الاعتبار للأدب واللغة العربية،وفي إطار مشروع استقلال عن الدولة العثمانية وتكريس هوية عربية.ولعب دوراً مستحقاً في إعادة استخدام الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر.وشارك في أول ترجمة لإنجيل العهد القديم إلى العربية في العصر الحديث.

ولد ناصيف بن عبدالله بن جنبلاط بن سعد اليازجي عام 1800 في كفرشيما. (ولم يزل بيته قائماً في كفرشيما وهوبيت عقد مهجور وهناك لافتة تشير إلى بيت ناصيف وابرهيم ووردة اليازجي). هوابن أسرة نبغ الكثير من أبنائها في الفكر والادب ويعود أصلها إلى حمص.وكان والده عبدالله اليازجي كاتباً للأمير حيدر الشهابي. وكلمة يازجي بالتركية تعني الكاتب.

نشأ ناصيف ميالاً إلى الأدب والشعر وأقبل على الدرس والمطالعة بنفسه وإلى كل ما تصل إليه يده من كتب النحو ودواوين الشعر. نظم الشعر وهو في العاشرة ونسخ الكثير من الكتب بخط يده لعدم توفرها مطبوعة.

تلقى ناصيف تعليمه على يد والده ثم أكمله على يد راهب ماروني. كان زجالاً وخطاطاً ولشدة مهارته بالخط دعاه البطريرك أغناطيوس مارون ليكتب له في دير القرقفة منطقة قرب كفرشيما. ثم استدعاه الامير بشير الشهابي وجعله من كتاب ديوانه، ولبث في خدمته اثنتي عشرة عاماً.وفي سنة 1840 وهي سنة خروج الأمير إلى المنفى انتقل ناصيف وعائلته إلى بيروت فأقام فيها قنوعاً بالمطالعة والتأليف والتدريس ونظم الشعر فذاع صيته. اتصل في بيروت بالمرسلين الأميريكين وعمل مصححاً لمطبوعاتهم ولا سيما الكتاب المقدس الذي كان باشر بترجمته الدكتور آلي سميث وكرنيليوس فاندايك. 

أصبح عضواً في الجمعية السورية الشبيهة بمجمع فالتف حوله الكثير لينهلوا من معرفته وثقافته وقوة بيانه وأصبح أستاذاً لدى الاميركيين وسار ذكره في البلاد العربية وراسله كبار الشعراء.عام 1863 استدعاه المعلم بطرس البستاني للتعليم في “المدرسة الوطنية” التي افتتحها في بيروت. وعمل معه مصححاً في الجزء الاول من كتاب “محيط المحيط”.

ولما أنشئت مدرسة البطريركية كان ناصيف بين أساتذتها المميزين. علّم في المدرستين معاً وبعد فترة دعي إلى التدريس في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأميركية في بيروت) وكان أول مدرس للغة العربية وآدابها فيها وصنف مجموعة من المؤلفات اللغوية التعليمية، تعد بدء بعث اللغة العربية الفصحى. ويمكن القول أن ناصيف اليازجي كرس نفسه للعمل على تهذيب اللغة وتقريب تناولها، فحببها إلى قلوب تلاميذه والناس , وساهم مساهمة فعالة في إحياء تراث اللغة ونشره حتى بات ينظر إليه كأحد محركي القومية العربية. قال عنه الشيخ عبد الهادي الأنباري:”ما سمعنا بمثله عيسوياً/ يتحدى بمثل معجز أحمد”. حاول ناصيف اليازجي مجاراة العرب الأقدمين في مؤلفاته فترك آثاراً متعددة شملت الصرف والنحووالبيان واللغة والمنطق والطب والتاريخ. كما ترك ديواناً شعرياً متنوع الموضوعات ومراسلات شعرية ونثرية ومنها: “نار القرى في شرح جوف الفرا” (في الصرف والنحو) _ و”فصل الخطاب في أصول لغة الأعراب”) (رسالة في التوجهات النحوية) _ “عقد الجمان في علم البيان.” و”مجمع البحرين” (ويشتمل على ستين مقالة على غرار مقامات الحريري والهمذاني). وديوان ناصيف اليازجي _”طوق الحمامة” _ و”قطف الصناعة في أصول المنطق” و”التذكرة في أصول المنطق” _ و”الحجر الكريم في الطب القديم”_ و”جمع الستّات”(معجم في أعضاء الإنسان وصفاته) و”عمود الصبح” و” القطوف الدانية” (سر لبديعيته) و”فاكهة الندماء في مراسلات الأدباء” _و”رسالة تاريخية في أحوال لبنان في عهده الإقطاعي” _ و”العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب” (هذبه واكمله ابنه ابراهيم اليازجي).

كان ناصيف اليازجي يحفظ القرآن وديوان المتنبي الذي قال عنه أنه يمشي في الجو وسائر الشعراء يمشون على الأرض.

غلبت على حياة ناصيف اليازجي ثلاثة اتجاهات: 

  1. مساهمته البارزة في تعليم اللغة العربية ضمن منهاج منتظم كان له الفضل في ابتداعه. 
  2. دوره في تعريب الكتاب المقدس ضمن مشروع جماعي أركانه كرنيليوس فاندايك والمعلم بطرس البستاني والشيخ يوسف الأسير وناصيف اليازجي وآمنوا بضرورة وجود نسخة عربية من العهدين القديم والجديد وهذا الأمر ساهم بتعزيز الوعي للمسيحيين العرب بثقافتهم العربية.
  3. علاقة ناصيف اليازجي بالتراث وبدا ذلك بتحقيقه ديوان المتنبي وتأليفه للمقامات في كتابه مجمع البحرين وقدم فيها نموذجاً جديداً قائماً على السرد الشعري ونشران الحكمة وتوظيف الأمثال في النص. عاش أحداث عصره وكتب شعراً عندما فتح ابراهيم باشا عكا: 

“الزهر تبسّم نوراً عن أقاحيها           إذا بكى من سحاب القمر باكيها “

وكتب منتقداً سياسات الدول :

” متى ترى الكلب في أيام دولته          فاجعل لرجليك أصدافاً من الزرد

 واعلم بأن عليك العار تلبسه            من عضة الكلب لا من عضة الأسد” 

 

كانت الثلاثين سنة الاخيرة من عمر ناصيف اليازجي غنية بالتأليف والتدريس. ولبث يؤلف ويعلم حتى أصيب بفالج شل جانبه الأيسر عام 1869 وفي أثناء مرضه أصيب بفقد ابنه حبيب وهوبكر أولاده وكان في عز شبابه، وكان آخر ما نظمه قصيدته في ابنه ويقول فيها:

“ذهب الحبيب فيا حشاشة ذوبي                                  أسفاً عليه ويا دموع أجيبي”

ومن فرط حزنه مات بعده بقليل متأثراً عليه وكان ذلك في شباط 1871.

ناصيف اليازجي بشعره وأدبه وبيانه المطبوع واللغوي المدقق والنحوي المحقق،كتبه اليوم نافدة وليس هناك لا شارع ولا تمثال باسمه في قريته ولا طابع تذكاري. هناك لوحة بورتريه له رسمها داوود القرم وموجودة في دائرة المحفوظات الوطنية.

مثّل ناصيف اليازجي الشاعر الدور اللبناني المستحق في الثقافة العربية واستحقّ ريادته، وخفق علمه لأنه بذل جهوداً جبّارة لأجل التقدم من خلال التعليم والتأليف وحبّاً بالمعرفة، وحبّاً بالوطن. تحية إلى بواكير وإشرقات النهضة في لبنان. تحية إلى الكبير ناصيف اليازجي. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *