سجلوا عندكم

قراءة في كتاب “كلمات رقيقة” للعميد الركن صلاح جانبين

Views: 1473

الروائيّ جان سالمة

كنتُ دائمًا أُعلن: إنّما الحياة مصادفات ومفاجآت قد تُغيّر أحيانًا مجرى حياتك.

فبالنسبة إلى العميد الركن صلاح جانبين، الكاتب والباحث المرموق، فقد تعرّفتُ إليه من خلال رفيقه في السلاح العميد الدكتور إميل منذر، القصصي واللّغوي، في أثناء توقيع الأخير كتابه في مجمّع انطلياس.

وقبل أنْ تطرف العين، وتتغيّر عقارب السّاعة، انتابني شعور بأنّ العميد صلاح، نظير صديقه، قد منحني ثقته الغالية، إنْ لم تكن صداقته، من غير قيد ولا شرط.

وما مضى طويل وقت حتّى حظيتُ بشرف زيارته، حاملاً معه هديّتيْن نفيستيْن هما كتاباه :”صناعة الأزمات وأسرار التفاوض” و”السلطة في لبنان”.

العميد الركن صلاح جانبين

 

أمّا بالنسبة إلى مصنّفه الجديد هذا، وهو بعنوان: “كلمات رقيقة”، فما إن ألقيتُ عليه نظرة سريعة، حتى ألفيته موجب الالتفات والاهتمام، ما دام صاحبه يتحلّى بالشّجاعة، ما يؤهّله من خوض القضايا الوطنيّة المشرّفة، واتّخاذ مواقف تليق بالرجال.

كلّ هذا دفعني إلى أنْ أكتب عنه ولو كلمة واحدة، لأفيَه حقّه كاملاً، لأنّه أبى أنْ يلتزم الصمت في أمور كثيرة، بل فضّل أنْ يقولَ كلمته ويمشي.

***

ولنبدأ بقصيدة “صبر” اللاّفتة حقًّا بقافيتها وإيقاعها. لنسمعكَ بعض أبياتها:

شُقّ السكون، بكلّ يقين

رُغم الظّلام، واللّيل الحزين

تُضرِمُ النّار، بطفلٍ هجين

على شراع الحبّ والدّار العرين

***

وكذلك، في قصيدة “بقينا” نرى أنّ الشّعر يكاد يطغي على النثر حاملاً في طيّاته النغم المريح والمتجانس، فلنقرأ كيف يصف واقع الإنسان الذي لا يتغيّر:

نحن كما كنا بقينا

وكما ولدنا حيينا

والماء من حولنا يُبقينا

بالحروف نكتب، بالحروف والكلمات نسطّر أمانينا

وكان في الدهر من يلوي، ويلوينا

واليوم ضاع، دامت مآسينا

فكان الربيع ورودًا، وكنّا حيث كنّا… بقينا كما نحن بقينا!

***

في قصيدة “قراءة الخرائط” من التهكّم اللاذع، ما يكفي لألف عام!

فهو يسأل هازئًا:

 هل نعرف قراءة الخرائط؟

أم خرائطنا تُرسم لنا؟

***

ونأتي على قصيدة “عُربٌ أو عَرَب” وهي صرخة منَ القلب علىمصير أمّة دمّرها الغاصب المستبدّ. والمؤلّف هنا لا يسعه إلاّ أنْ يرثي العرب، وكيف وصلتِ الأمور إلى ما وصلت إليه، وقد أضحى العرب أجانب في بلدانهم، ما دامتِ الوحدة قد تمزّقت، فأين النضال وأين الكفاح بل وأين أنتم يا عرب؟

الروائيّ جان سالمة

 

والجدير بالذكر أنّ نزار قبّاني قد نظم قصيدة عصماء رائعة لم يوفّر فيها أحدًا من الحكّام، كما كتبها بدموع من عصب ودم. فكان أنْ قامت عليه القيامة، ولعلّها لن تهدأ أبدًا، ما دامت القصيدة ستظلّ حيّة إلى يوم القيامة، تقضّ على المسؤولين مضاجعهم،كماتطاردهم لعنة التاريخ! 

في قصيدة “يكتبون، ولكن”، وضعها العميد جانبين وكأنّه يريد أنْ ينهال بالسياط على ظهور أولئك المدّعين الفارغين الذين يُحلّلون وفقًا لأهوائهم، وقد أضحوا خدمًا عند السّلطان، بعد أنْ سدّوا الآذان، وبالمال والمناصب باعوا الكرامة والوجدان، وأضحوا متصعلكين متسوّلين، فلا غرابة أنْ يصبّ صاحبنا جام غضبه على هذه الفئة القليلة من حملة القلم، فقدتْ كلّ شيء في سبيل المال والسّلطة:

يسجدون

في قطيع ينتظمون

قارعو طبول هجّاؤون

للكلمات بائعون

مسيّسون

للسلطان مدّاحون، مبالغون

ويكتبون، ويكتبون

في “فجر الجرود” وهي سياسيّة بامتياز، فهو هنا يشيد ببطولة الجيش اللّبنانيّ في جرود عرسال والبقاع وانتصاره على المنظّمات الإرهابيّة.

ونذكر هنا أنّ صلاح جانبين هو ذاته العميد الركن في الجيش اللّبنانيّ، فهو إذَنْ يعرف أكثر من غيره كيف يقدِّر المروءة والإقدام.

أمّا قصيدة “قيم”، فهي وطنيّة تُعبّر عمّا وصلنا إليها من انحدار.

يقول:

نشأنا على قيم

في أمّة الجود والكرم

قصورنا حجر وفي عقولنا ورم

بتنا نسكع في الظّلم كالغنم

نبيع الذمم

في أرض، فوقهاالفقر قد جثم

شعبها بلا نظام، بلا نظم

نركع للبكم

كأننا غنم

نعم غنم

***

لا شكّ في أنّ مصنّف العميد جانبين الكاتب والباحث المميّز، هو مؤلَّف يجمع بين دفّتيه أشكالاً منَ المواضيع وألوانًا، وأنت غالبًا ما يستولي عليك الدَهَش، وتبتسم لقرصاته البريئة.

كما أنّكَ واجدٌ كلّ هذا في الطّريق إليه، وهو ما يجعلكَ تودّ أنْ تتعرّف إليه أكثر، وتتقرّب منه أكثر.

***

وختامًا، إنّني أدعوكَ أيّها القارئ العزيز إلى أنْ تُقبِل على هذه الوجدانيّات الصّادقة، المنحوتة من قلب الحقيقة، الحاملة همّ شعب بأسره نسي ماضيه وباع حاضره.

 

ولسوف تحبّها كما أحببتها أنا، ولسوف تعود إليها عودة المشتاق، لتتمتّع بكلّ حرف من حروفها، وكلّ سطر من سطورها الصباح.

وقد تستطيع بعض قصائدها الساخرة أو بعض فصولها الوطنيّة، أنْ توقظ الضّمائر التي ماتت منذ زمن بعيد.

ولأنّ مؤلّف”كلمات رقيقة” يتحلّى بدبلوماسيّة عالية، وحسّ عميق بالمسؤوليّة، فهو ينتقد ولا يجرح، ويكتفي بأنْ يضع أُصبعه على الجرح، فلعلّ وعسى. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *