من الميناء إلى باريس
د. جان توما
أقرأ بفرح أناشيد السيدة “نيفريت الدالاتي غريغوار” من باريس، حين تكتب في تراث مدن الفيحاء عامة والميناء خاصة، وهي لا تقصّر مرّة في التصدي لكتاباتي عن الثغر البحري، حيث تتفجّر محبرة ذكرياتها في هذا الفيحاء الذي كرجت طفولتها فيه، فينضح الفايسبوك عندها بعطر ياسمين تلك الأيام، فتتبرعم الأحلام وتنفجر شوقًا إلى تلك الخوالي الجميلات.
أعرف كم تكتنز السيدة نيفريت من حبّ لهذه المدينة على المتوسط، وكم تحمل من حنين واضح إلى بدايات عمرها في أحياء البلدة الفيحاوية التي طبعت يراعها بالعفوية والعمق بآن، فيما تنصرف إلى رسم خارطة البلدة الوادعة التي كانت، في مواجهة البلدة الآتية بصخب العصر.
قد تكون ريشة السيدة نيفريت غارقة في تفاصيل أزقة المدينة القديمة وقد خرجت منها إلى قلب العالم، إلى باريس، المدينة التي لا تنام، فيما بلدتها طرابلس تغفو على خطوات أهلها في تلك المنعطفات العتيقة والقناطر التاريخيّة.
لعلّ الكاتب يسرّ حين يذهب ناقد كالسيدة نيفريت إلى تمحيص ما يكتب، كذاك الجرّاح الذي يعمل مبضعه في الشرايين ليكتشف حركة إبداع الحياة.
إنّ يراع نيفريت لا يجرح بل يطوف كالريح فوق الكلمات، وكالنورس ينقضّ على وجه البحر، فيلتقط زاده صانعًا عقودًا من ملح الموج ليطوف في الأفاق.
كلّ المدن تكتبنا ونكتبها. قلائل يعرفون كيف يسلكون معارجها ويختبئون في منعطفاتها، يرمون في برك سبل الماء المنتشرة في زواريبها شيئا من تعبهم وشوقهم وبه يحيون. (Valium) نيفريت واحدة من هذه القلّة الباقية فهي تعرف أمرًا واحدًا أنّها خرجت من مدينة طرابلس إلى العالم، لكن طرابلس بقيت عندها هي العالم كما هي في أعيننا رفّة هدب وإغفاءة عين.
الصورة: الفيحاء من تلال الكورة
بعدسة د. ماجد الدرويش