سجلوا عندكم

الكابوس الجميل!

Views: 566

آنّا ماريا أنطون

يا تُرى ما هي أكثرُ الأحلام جموحًا؟!

 كانت تمشي ولا يراها أحد، تتكلَّم ولا يسمعها أحد، تحاول التقاط الأشياء فتهرب من بين يديْها، تدخلُ أينما شاءت، تفعل ما تشاء، تذهب إلى أيّ مكانٍ، لا باب يوقفها ولا حاجز يردعها، هي بكلِّ بساطة خارج حدود العَيش المَعهود، لا تنصاعُ إلى قوانين الجاذبية والزمكان!

ما أجمل التحرّر من الحياة! لا تزالُ موجودة ولكن على قَيْدٍ آخر… تُبَعْثِرُ لأهل البَصَر أشياءَها الصغيرة، تُمْسِك أيَّامهم بخيوطٍ خَفية بينما تنصرفُ هي لرغباتها الكبيرة وحدها… إلى أن تغيَّر المشهد! انسلَّت الألوان من حَدقتيْها! تركتها سجينة الأسود والأبيض! عبثًا حاولت أن تستعيد من خيالها ريشةً صغيرة أو من حديقة الذاكرة لونًا ثالثًا! فجأة، لم يعد طعمُ الحريّة حُلوًا، أصبح مذاقها خانقًا في انعدام الألوان… واشتاقت حينها إلى كلّ الحَواس، عَصَرَها الحنين إلى ضَمَّةٍ، إلى لَمسةٍ، إلى بَوْحٍ كانت تهربُ منه، إلى كلّ ما كانت تختبئ منه… وتردَّد صدى صوتها البارحة يُجدِّف في جَدوى الأشياء! تمنَّت لو تصرخ مرّة واحدة أو ترمي نفسها في حضنٍ مرّة أخرى أو على الأقل لو تُصالحها الألوان مجدَّدًا… فلا أقسى من العَيش دون لونٍ!

ماذا لو كان الموت نوعًا آخر من الحياة؟! ماذا لو كانت الحياةُ شكلًا مختلفًا للموت؟! ماذا لو كان هنالك الكثير من الأفكار تنتظر أن تُحضَن، الكثير من القصص تتوق أن تُسْمَع، الكثير من الأرواح تتعذّبُ كي تُرَى؟! ماذا لو كانت جميعها تُقاوم الأسود والأبيض وتُحاربُ بكلِّ ما اؤتيت به من ألوانٍ حتى الحِبْر الأخير؟! ماذا لو كانت تُطالب بالراحة الأبدية على فراش الورق الأبيض بعد حدادٍ لائقٍ في مَدفن الحبر الأسود؟! لا بدَّ للأشياء أن تبوحَ بألوانها قبل أن تستكين في الأسود والأبيض وإلَّا فستتعذّبُ أبدًا في سجن اللالون الخانق!

(17- 4- 2020)

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *