سجلوا عندكم

صدور المجموعة الكاملة لشاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة… فارس الكلمة

Views: 2551

صدرت حديثًا المجموعة الكاملة لشاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة، وتتضمن مختلف كتاباته الشّعريّة والنّثريّة، وهي تشكّل في مجملها بستانًا ملوّنًا من الإبداع لشاعر كبير غاب بالجسد لكنّ حضوره مستمرّ من خلال نتاجه الذي عملت ابنته  الشّاعرة ميراي شحادة حدّاد بكل ما أوتيَت من حبّ ووفاء للوالد والشّاعر الكبير على إصدار هذه المجموعة الضّخمة، متسلّحة بإيمان بالكلمة وبديمومة الإبداع وتعريف هذا الشّاعر الكبير إلى الأجيال الجديدة. في ما يلي الكلمة التي استهلت بها ميراي  المجموعة في عنوان “أبي”، ومقتطفات من مقدّمة مطوّلة  في عنوان “فارس الكلمة” بقلم محقّقة المجموعة ابتسام غنيمه. 

 

 

إلى أبـي

 

ميراي شحادة حداد

إنّها حفنات من جمر الشّوق والحنين،

خبّأتها بين أضلعي وفي فؤادي سنين!

لطالما كانت تصدح في داخلي كأجراس الكنائس وتشنّف روحي كخطب المآذن، تدعوني منذ زمن إلى مأدبة صلاة مع قوافيه!

وها أنا أصبو إلى فكّ أزرار عروة ماضيه، ألملم للمرّة الأخيرة شظايا أيكة يتيمة في داخلي، فيتدفّقَ ما اكتنزته لك يا عبد الله، كالينابيع، كأسراب من الضّوء العائد من غربته من غياهب عمر قد ولّى ولم تقوَ على أدبه وشعره غبار الدّياجير!

من قال؟

من قالَ إنَّ أدراجَك مقفلةٌ وبيوتَك مقفِرةٌ إن أنت اكتنفك الثّرى وضاع أريج روحك في المدى؟! ستعبر إلى الشّمس مجدّدًا، إلى فضائك الذي يشتهي بيارق أشعارك فترفرف فيه يا عبد الله!

لو تعلم، كم صارعتُ أيّامي ولاكمتُ أقداري وأبَيْتُ إلّا أن أرصّع بأناملي كلّ ماسّة من قوافيك على صهوة الحرف وعرش الكلمة! رُحتُ أمشي في بادية أحلامي مُثقلةً حبلى بأفكار وشرارات كثر…أرتجف بين مواسم قيظ ومواسم مطر، أبني لك منازلَ من أشواقي، وأطليها في خيالاتي برشّة من القبل. كيف أستولد أبي الرّاقد منذ زمن وأعيد للكورة الخضراء عندلة أمجاد شاعرها من رحم الأزل؟

“يوم قرّرت أن أطير” [1] كتابي الصّغير، كان لك من حيث لا تدري ولا أنا بوقعه دَرَيْتُ! تجربة صغيرة قرّرت خوضها حتى أخطئ في تجربتي ولا أخطئ معك يا “فارس الكلمة”!

حملت في داخلي مجرّاتٍ مزركشةً من كونك العظيم، وها أتى اليوم لأدحرجَ الصّخرة عن قبرك، وأختصرَ كلّ المسافات بيننا، وأعصرَ طهارة حبرك من مدواتك العتيقة وزمنك الجميل!

بعد اليوم، لن يتوسّدني القلق وتقيّدني تجاعيد حزني الدّفين، سأحملك على أشرعة الكلمة، إلى ناصية الوحي الأزليّ، وأدور بك مصفّقة مهلّلة في ساحات المجد، ونافخة أبواق شجني على هضبات السّنين.

يا أبي!

بي شوق الخزامى إلى فصل الرّبيع، ودروبي الّتي أوراقُها رثّت في زمن الصّقيع لطالما أدفأها خطُّك الهاجعُ بين سطورها فتدفّقَتِ اليومَ حبًّا كالينابيع…

بي لهفة الأوتار إلى عزف ألحانك على قيثارة العمر. أرشقك اليوم بعطر اللّوز والزّيتون فيتبدّد الكفن، وبقوافيك على اللّحد تنتصر وتخطبُ بنا قائلًا: أنا هنا باقٍ يا زمن!

 

فارس الكلمة

 

بقلم ابتسام غنيمه

من غبار الأمس الغابر، ومن أساطيل السّنوات الجارفة، أتاني فارسٌ من العُرب ممتطيًا صهوةَ الحرف المتمرّد على الأيّام، يُنشدني “قوافيَه الضّائعة” لأرسلَها “أغاني رجاء”، ترنّمها “عشتار”، فيرتفع صوتها شجيًّا من “الكوخ الأخضر”، تحمله الصَّبا “موسيقى” موَقَّعة على أوتار “ذكرى الصِّبا”… وينبعث “النّبيّ داود” مخاطبًا يوآب، يقظةَ حقّ وصوتًا مدويًا في آذان الزّمان… فتستيقظ الذّكريات من “نشوتها الصّرعى”، وتعتلي ذروة الوَحي مستلهمةً اليراعَ الجبرانيّ، معارضةً الأخطل الأمير، ومرحّبةً بالرّيحانيّ الأمين، لتتحوّل إلى إكليل “غار” يتوّج هامة الشّعر والنّثر لآلئ عزّ وافتخار.

سألته مَن يكون وأنا إخال المتنبّي عاد مادحًا أسياد القرن العشرين، أو عمر بن أبي ربيعة جاء من العالم الآخر ليقوم بمغامرة عاطفيّة… وفي زحمة الأسماء هدر صوته قائلًا: أنا ملتحف الأرز، القائل وقد كان لي من العمر ثلاثة عشر عامًا: “أرزنا دُم في هَناءٍ مستمرْ/ للمعالي تستنرْ كلُّ البشرْ/ ناشرًا راياتِ فخرٍ للورى/ فوقَ طَودٍ مُلْقِيًا فيه العِبَرْ…”.

إنّه عبد الله شحاده، ابن كوسبا البارّ الذي أطاعته الكلمة وانسابت لملكة إبداعه طيّعة ليّنة. فمن هو عبد الله شحاده؟ وما القيم التي تتكشّف عنها مجموعته؟

 

عبد الله شحاده (1910- 1985)

أبصر عبد الله إيليّا شحاده، المعروف بشاعر الكورة الخضراء، النّور في بلدة كوسبا –الكورة، شماليّ لبنان، في 10 حزيران 1910. تلقّى علومه الأولى في مدارس كوسبا ثمّ تابعها في المدرسة الوطنيّة علم – داريّا (المعروفة بالعلميّة)، وأتمّ المرحلة الثّانويّة في كلّيّة التّربية والتّعليم، طرابلس.

نال البكالوريا اللّبنانيّة عام 1939. وحاز الشّهادة التّعليميّة من مديريّة التّربية الوطنيّة والفنون الجميلة في تمّوز 1944. والتحق كذلك بجامعة القدّيس يوسف في بيروت، معهد الآداب الشّرقيّة ونال بتاريخ 19 أيّار 1942 شهادة في الدّروس العليا في تاريخ الأدب العربيّ الكلاسيكيّ (Histoire de la littérature arabe classique)، وشهادة في أركان المجتمع العربيّ (Institutions des peuples de langue arabe) في 24 أيّار 1945، وشهادة ثالثة في تاريخ الشّرق الأدنى وحضارته (Histoire et civilisation des peuples du proche orient) في 5 حزيران 1948، ورابعة في فقه اللّغة العربيّة (Philologie arabe) في 30 حزيران 1949، ليحصل، في هذا التّاريخ نفسه، على دبلوم دراسات شرقيّة في هذه الفروع جميعًا.

في 17 حزيران 1960 حاز شهادة دكتوراه في الآداب (الفرع العربيّ) من جامعة سانت أندروز الكنسيّة المسكونيّة في بريطانيا، وفي 13 كانون الثّاني 1961 حاز شهادة بروفسور في الآداب العربيّة من الجامعة نفسها.

 

مارس التّعليم الابتدائيّ والمتوسّطيّ والثّانويّ في العديد من المدارس في مختلف المناطق اللّبنانيّة، وكان مديرًا لعدد منها. كما شغل وظيفة مفتّش تربويّ في وزارة التّربية الوطنيّة والفنون الجميلة، الأونسكو.

تزوّج من إميلي العيناتي وله منها ميراي وإيليّا وربيع ورندلى.

أحيا عبد الله شحاده العديد من الاحتفالات الأدبيّة والاجتماعيّة، ونشر عددًا من قصائده في جرائد ومجلّات مختلفة نذكر منها: “المستقبل” و”الرّقيب” و”صدى الشّمال” و”الأفكار” وغيرها الكثير، وله ديوانان مطبوعان هما “جميل وبثينة” و”الكوخ الأخضر”، وخمس قصائد منشورة في خمسة كتيّبات، فضلًا عن مجموعة “إلى طلّاب البكالوريا”، التي تشكّل سلسلة محاضرات أدبيّة ألقى معظمها في معهد الفرير وفي الكلّيّة الإسلاميّة[1].

نال العديد من الشّهادات والأوسمة والميداليّات تقديرًا لعطاءاته، منها:

– رتبة الصّليب المقدّس للرّسول والمبشّر مرقس من الدّرجة الثّانية كمثال لكلمة النّعمة الرّسوليّة. منحه إيّاها بابا وبطريرك الإسكندريّة وكلّ أفريقيا كرسيتوفر الثّاني، في 8 آب 1956.

– شهادة نجمة وصليب الشّرف الأكاديميّ منحه إيّاها المجلس الأكاديميّ والمجلس الأعلى للأكاديميّة الأميركيّة الدّوليّة – الولايات المتّحدة الأميركيّة، في 20 حزيران 1959.

– وسام وعقدة القدّيسين أنطونيوس وبولس برتبة كومندور من الأنبا باسيليوس، مطران الكرسيّ الأورشليميّ في القدس والشّرق الأدنى، ممثّلًا صاحب الغبطة كيرلس السّادس، بابا وبطريرك الكرازة المرقسيّة للأقباط الأرثوذكس، بتاريخ 28 حزيران 1959.

– شهادة العضويّة الشّرفيّة والزّمالة مدى الحياة. منحه إيّاها المجلس الأعلى التّنفيذيّ للأكاديميّة الدّوليّة الأميركيّة، في 29 آب 1959.

– الميداليّة الفضّيّة لمدينة باريس – جائزة تورليت للأكاديميّة الفرنسيّة. منحته إيّاها جمعيّة التّربية والتّشجيع التّابعة لوزارة التّربية الوطنيّة الفرنسيّة، في 7 أيّار 1961.

إنّ سيرة شاعر الكورة الخضراء الذّاتيّة وشهادات التّقدير والأوسمة التي نالها، يفوح عبق بخورها من ثنايا المجموعة، فتتنفّس الأوراق وتتوهّج شعلة رقيّ شعريّ ونثريّ يتلألأ قبسُ إشعاعِها مجموعةً من القيم الوطنيّة والإنسانيّة والأدبيّة.

***

[1] – صدر عام 2017.

[1] – قد أشرنا إلى منشوراته كافّة سواء أكانت كتبًا أم في الصّحف والمجلّات في أجزاء المجموعة، في المتن أو في الحاشية، وذلك بحسب السّياق.

 

Comments: 1

Leave a Reply to أوفى عمر بهاء الدين الأميري Cancel Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. أديبة فذة ابنة شاعر فذ، امتلكت ناصية الكلمة تفككها مثل لعبها الصغيرة ثم تعيد تشكيلها،، حق لشاعر الكورة ان ينام قرير العين، فمن كانت ميراي ابنته خلد ذكراه وتجاوز الزمن.