رحيل الأديب جوزف مهنا… بيان اللغة وبيان المعنى

Views: 21

سليمان بختي

غيب الموت الصديق الأديب جوزف مهنا (1938-2023) إثرأزمة قلبية حادة.

من مواليد حوش بردى – البقاع. جاء من إدارة المصانع وبدأ النشر متأخرا.

نهل حب اللغة العربية من مصدرين: أخوال والدته آل الفاخوري (الأب حنا وجورج). ومن كتابين أهداهما له والده حين لمس شغفه باللغة العربية وهما : القرآن الكريم ونهج البلاغة.

ترك خمسة كتب هي :” أقمار من وطني ” 2014 و “عبير الكلمات” 2014 و “خميلة الياسمين” 2016 و “ريفيات” 2019 و”شجر الريح” 2019 (صدرت عن دار نلسن).

 

كما نشر العديد من المقالات في الصحف والمجلات والدوريات والمواقع اللبنانية.

كان يعمل على كتابين “بولس سلامة -إشراقات للزمن الجميل” وكتاب” بطاركة مشرقيون قدامسة رسالة وحضارة”.

كتب جوزف مهنا ببلاغة أدبية محبوكة منتقيا كلماته من قاموس يخصه. وجعل من هذه الكلمات طريقا للعودة إلى استخدامات جديدة.

كتب في التراثيات والريفيات والقدسيات ورموز وأعلام وحب وأزهار وشجر. وكتب في نقد الكتب الشعرية والأدبية وحاول دائما أن يعطي من قلبه وقلمه لصاحب الحق والفضل.

 

كتب عنه جورج غريب بأنه فيما يكتب ويقول “أبجدية أرستقراطية الألق”. كانت الكلمة لديه نحتًا وغوصًا على خفايا اللغة وغوامضها وذاكرة تراثية غنية وحسًا ورهفًا.

يقول:” سقاك الله يا ورد، لطالما أنصفني هواك وإستوقد الوجد ضلوعي على ذكرك. بحقك أني عزمت عليك أنك نازل عمرك عندي”. أو “قريتي ناهيك بقريتي قمرا ألا ليتما هذا القمر يعود”. كتب عن القرية تقاليد ومواعيد ولحظات لا تنسى. إستوقفته زيزفونة الدار ” يا زيزفونة دارنا لقد مرن لساني على ذكرك ، فوكدت على نفسي الحلف إلا في ترابك”. (eluminoustechnologies.com)  

عمل جوزف مهنا على نصوصه كمن يجلو العروس، وكمن يخاف على الكلمة أن لا  تصيب الفؤاد فهو على هدي عمر بن قيس في وصفه العربية بأنها “لغة القلب إذا خرجت منه وقعت فيه”.

 

كان جوزف عاشقا متيما للغة. لغة مسبوكة بصورة وإضاءة ولون ورحيق وسكرى. لغة خصبة ثرية غنية تغري أصحاب اللؤلؤ. ولم يفصل أبدا بين أغصان الكلمة وإمتداد شجرة الحياة فيه. ويصغي بكل رهافة مترجما المشهد :” حسبي أني أشرق كل يوم/ على صوتك/ وأضيء الفجر للعصافير”. نهل من حياته وألم الفراق وخاطب البحر الذي أقل فلذات أكباده إلى أرض بعيدة:” أبناؤنا أقمار في منافي الأرض. ولعلك يا بحر لن تنسى رأفة بي، أن ذراعي ترتجان لضمة حبيب”.

جوزف مهنا سليل لغة أمين نخلة ( 1901-1976) في ريفياته وفؤاد سليمان (1912-1951) في وجعه الكبير على إنسان بلادنا. أسمعه يكتب عن بيروت :” وأنحني كما جاثيا على ترابك أقبل خطوط الألم في عيون المتعبين”. 

سنفتقد جوزف مهنا الصديق الأنيق والذي يحرص ويولي كتابه اهتماما وتأنقا وينزل إلى المطبعة متابعا التفاصيل ليأتي الكتاب مجلدا بالخفقات ورؤوس الأصابع وهمة المشتغلين. سيظل نسيجه مغايرا ويعيبك بحسب موريس النجار ” تصنيفه وإلحاقه في ركب أدبي محدد”. 

سنفتقد تلك اللقاءات الجميلة في بيروت وزحلة مع نوارس الصيف الشاعر جوزف صايغ(فرنسا)  والشاعر ياسر بدر الدين (كندا) والشاعر قيصر عفيف (المكسيك) حين كان يتحفنا جوزف مهنا بأبيات عربية نادرة وأثيرة.

 

سنفتقد ذلك اللغوي البارع الذي سلست له الفصحى والذي لا يقسو على الكلمة ولكنه يشغل همه في التركيب والتزويق البياني. كأن البيان عنده طائر يغرد ويغرر.

كتب عنه الشاعر الراحل جوزف صايغ(1928-2020) مقدما احد كتبه:”لله درك يا صديقي تغامر بمثل هذه اللغة الراقية التي هي ظفر اللغة العربية في لحظة ثقافية خطيرة تجنح فيها لغة الأدب في العالم إلى أفول لمصلحة اللغات العلمية الطاغية”. قرأت في أحد أوراقه شيئا مثل النبؤة : “وأمضيت أمرك في ورقتي البيضاء وينطفىء المصباح”

وداعا جوزف مهنا. 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *