إنّه العيد بعد صيام

Views: 1491

د. جان توما

عيد الفطر السعيد يحطّ بعد صيام وزهد. كلّ الصيامات انصراف المرء إلى العليّ  لمصالحة أعمّ مع أهل الجوار على اختلاف مشاربهم.

كيف يستفيد المؤمن من صياماته وقد أمضى عمره تهجدًا وركيعات وتمتمة ولهج باسم المولى؟ كيف يترجم المؤمن هذه العلاقة العمودية مع ربّه إلى علاقة أفقيّة باتجاه الأخ الذي جعله المولى يقاسمنا نور الشمس وحرارتها، وقطرة الماء وكسرة الخبز؟.

 

يخرج الصائم إلى فطره ليكون في خدمة الآخر إنسانًا جديدًا متجدّدًا، مختومًا جبينه بخاتم نوراني. له من الحسنات ما اكتنزها في مسراه الصيامي زكاة لتضميد جراح، أو إطعام أفواه، أو كفالة يتيم، أو تعزية محزون.

ليس الصوم شهرًا أو خمسين يومًا إنّما هو تبتّل النفس، في كلّ لحيظة، لربّها، وتوجّع الروح التائبة لباريها. أنت تلحظ الشفافية في مسلك من صار بكلًيته لمن كان ويكون ويبقى له معينًا وحافظًا وستّارًا لزلّاته.

إلى صاحب البركات تسوح الروح في معارج الإيمان، تتوق إلى من نفح فيها نفحة الحياة بعدما جَبَلَ المخلوق من طين، وأودعه رحم العالم ليسلك فيه كما السالك في النور ليصرف الناس بتقواه إلى وجه الباري لتحيا.

كان وجع العالم في شهر رمضان  المبارك مساويًّا للفرح باستهلاله. هو شهر الشهور في قلوب المؤمنين، كما في موسم المواسم في صيام المسيحيين. قد يكون الصيام معبرًا اختاره الله تعالى لمحبيه، ليعبروا جسور المودّة به، إلى من قسا عليهم الزمن، وليشهدوا له في صدق إيمانهم والتزامهم قضايا المستضعفين والفقراء على هذه البسيطة.

إنّه الفطر بعد صيام ، كما عيد الفصح أو العبور بعد صيام، من صحراء التيه إلى منابع مياهه، من ضياع إلى ثبات في كلمته المحيية. إليه وحده  تكون قبلة التائبين الصادقين، يغفر لهم وهو أرحم الراحمين.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *