“أهودا اللي صار” لسيد درويش… أغنية الزمن العربي المستدام

Views: 854

سليمان بختي

عاشت اغنية ” أهودا اللي صار ” لسيد درويش (1892-1923) مئة سنة ولم يزل بريقها ساطعاً بين اجيال الغناء العربي . والسر في ان الأغنية تحمل روحا وطنية ونضالية وسياسية عالية . ولعل الغناء الوطني ، غناء القضية في بلادنا لا يزال قائماً . في عشرينات القرن الماضي كانت مصر والبلاد العربية تحت الاحتلال الاستعماري . وكانت الممنوعات كثيرة آنذاك ما جعل الفنانين يتحايلون لتوصيل الرسائل إلى الشعب وحثه على الكفاح .

 

من كتب هذه الأغنية ؟ تختلف المصادر فثمة من ينسبها إلى بديع خيري ( 1893-1966) صديق سيد درويش ورفيق مسرحه. وينسبها آخرون إلى الشيخ محمد يونس القاضي ( 1888-1969) شيخ المؤلفين المصريين والأرجح أنه كاتبها إذ يروي محمد يونس القاضي الذي تعرض للاعتقال 19 مرة أنه  في إحدى المرات أمسكه وكيل الداخلية نجيب باشا من الجبة والقفطان الذي كان يرتديه وقال له : ” بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دوّر إزاي تصنع  جبة في بلدك الأول “. ويعلق القاضي: “هذا الكلام ظل في رأسي إلى ان بدأت أنادي في الروايات والمسرحيات التي أكتبها بإنشاء المصانع ومنها اغنية “اهودا اللي صار”. ولكن ماذا تقول كلمات الأغنية؟

” اهودا اللي صار / وادي اللي كان / مالكش حق/ تلوم عليا / تلوم عليا إزاي يا سيدنا / وخير بلادنا ما هوش في إيدنا / (هنا كان الرد على وكيل الداخلية ) قولي  على الأشياء  تفيدنا / وبعدها بقى لوم عليا / مصر يا ام العجايب / شعبك أصيل / ( وفي زمن سعد  زغلول كانت تقال  سعدك أصيل ) والخصم عايب/ خلي بالك من الحبايب / دول أنصار القضية/ بدل ما يشمت فينا حاسد / إيدك في إيدي نقوم نجاهد / واحنا نبقى الكل واحد / والأيادي تكون قوية / “.

 

وفي الأغنية دعوة إلى التحرّر والاتحاد والنضال والسيادة وإلى قضية الوطن .. وفي الشكل الأغنية هي طقطوقة من أصل 66، واكثر لسيد  درويش ، ومن أشهرها : “زوروني كل  سنة مرة ” و”يا بلح زغلول” وذلك حين حرمت السلطات ذكر اسم سعد زغلول فجعل سيد درويش مصر كلها تغني اسمه ولا أحد يقوى على منع الأغنية، و” الحلوة دي” و”خفيف الروح”، و”يا عزيز يا عيني” ، “بلادي بلادي” وغيرها .

واستخدم درويش في الأغنية مقام الراست ونغمة الكورد. وحافظ على الشكل مطوراً  المضمون. وهذه الألحان كلها جاءت بعد  رحلته الثانية  إلى الشام وبيروت ويومها قال لزكي طليمات ويوسف وهبي: “حفظت التواشيح والقوالب الموسيقية القديمة والقدود الحلبية وأناشيد  الكنائس” .

الشيخ إمام

 

ولكن من غنى هذه الاغنية؟ الأسماء كثيرة وربما  يغيب سهواً بعضها . ونبدأ من مصر: سيد  درويش  والشيخ إمام ، واسماعيل شبانة (شقيق عبد  الحليم حافظ ) وعلي الحجار، وإيمان البحر درويش، ومحمد نوح، وآمال ماهر ، وعبد  اللطيف البنّا  وروبي في مسلسل ” أهودا اللي صار”  ومحمد محسن ( في ثورة 25 يناير ).

ومن لبنان: فيروز، غنتها  في حفلة القاهرة (1989)  وبتوزيع رائع ومتكامل من زياد  الرحباني الذي روى لمنى الشاذلي (برنامج  في العاشرة مساء، القاهرة ) كيف ” تحرش” بـ فيروز لحنياً عبر سيد  درويش . وأنه سمعها الكلام و”راقبناه  وفليت، لأنومش أنا عاملا ولا  فينا نغير الكلام”. وفكر كيف لم  ينتبه  الرحابنة لهذه الاغنية االمهمة لسيد  درويش هم الذين أعدوا ووزعوا لفيروز “زوروني كل  سنة مرة” و” طلعت يا محلا نورها ” و” الحلوة دي” .

وغنتها من لبنان أيضاً: هبة طوجي بتوزيع موفق من أسامة الرحباني أوصلها إلى جو الموشح وجاهدة وهبي وميرال  غياض وعيسى غندور.

ومن سوريا : أصالة. ومن فلسطين ناي البرغوتي  ومحمد مغربي .

محمد محسن

 

وحتى اليوم لا تزال الأغنية تتجلى وتبترق وتتألق وتستعاد  في ظروف بلادنا المتشابهة . ولكن لا بد من التحية  إلى أصالة سيد درويش باعث النهضة الموسيقية ومجددها في مصر والعالم العربي . فنان الشعب الذي ربط  الغناء بالحياة والقيم والوطن. وباتت أغانيه تراثاً تحفظه الأجيال وتعشقه الأصوات وتحرك المآقي والشجون.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *