“زرّيعة قلبي”: اترك كل شيء وازرع
د. جان توما
في جبل آثوس في اليونان تتّكل على رجليك لتعبر القادوميات بين أشجار الكستناء والبلوط لتصل إلى قلايات الرهبان ، ترى عديدًا من المؤمنين من مختلف اللهجات ينتظرون لقاء الراهب ” افتيم” ، الجالس تحت شجرة وافرة، خارج صومعته، للاستماع إلى إرشاداته في هدوئية تواجه العالم الصاخب.
التقيناه صبيحة يوم من أواخر أيلول ٢.١٩ على الضفة الأخرى من العالم. هدوء واضح في الملامح والعينين، صوت هادىء خافت، بساطة في الأفكار والتعبير. بهذا الهدوء والخفوت والبساطة يدعوك إلى” أن تلتصق بالأرض وأن تزرع وأن تكتفي بما يعطيك إياه الله من رحم التراب”. قلنا له: لا مال عندنا لشراء أرض زراعيّة، أجاب: ” اشتروها شراكة، تعاونوا واجمعوا المال وازرعوا، فالأيام القادمة صعبة”.
من أين يأتي المتبتّلون لله بهذه الرؤى؟ ألعلّ هذا يتأتى من هذا الانصراف الكليّ إلى ما هو فوق التراب وعبره؟ أو من مسرى حياة معلّمه، الراهب اللبناني اسحق عطالله (١٩٣٦-١٩٩٨)، المرتاح هنا في الباحة الخلفية لقلايته المطلّة على مدفنه حيث زرع كرمة عنب جديدة جلبها من لبنان؟.
في هذا الجبل المقدس، القائم في هذا العالم وليس في هذا العالم، تسحرك غابات الأشحار والطرق الترابيّة المتوغّلة كشروش الكروم المطلّة على المدى الأزرق في سهول زرعتها أيدٍ مجرّحة متشقّقة تنتج ما يسمن ويغني القلب والروح.
