موّال بحريّ

Views: 770

د. جان توما

خرجت ولم تعد. حبّة التوتياء رفيقة السير  بحرًا زمن تعلّم السباحة أيام الطفولة. كان البحر يرتاح عند مصطبات البيوت، ويرندح مووايله تحت شبابيكها صيفًا، قبل أن تجتاح أمواجه الزوارق والمداخل وأسوار المدينة البحرية شتاء.

على هذا الشاطىء المرتاح مقابل جزيرة عبد الوهاب وقرب برج المغاربة أو برج عز الدين شعبيا ، وعلى مرمى من قهوة ” عزيزة” حيث صوت الاراكيل، وركوات القهوة، كنا نبدأ السير بحرًا بأرجل حافية ، ندوس الرمل الناعم، نرى القاع بأم العين، تبدأ الأرض البحريّة بالانخفاض، تكاد المياه تغمرنا ونمارس السباحة كي لا نغرق، وإن خفنا، وقفنا على أقدامنا فيما الموج يتقاذفنا.

كانت حبّة التوتياء منتشرة هنا في القاع،كحبّات مسبحة تناثرت حبّاتها،  وكنا ننقل خطواتنا بين الحبّة واختها كي لا تنغرز أشواكها في باطن الرجل، ونضطر إلى تسخين رأس الأبرة ونبدأ بحفر الجلد لإخراجها. قلائل منّا كانوا يدهنون مكان دخول الشوكة بزيت الزيتون لتنسحب بهدوء من داخل الجلد إلى الخارج،

خرجت أو أخرجت حبّات التوتياء وانقرضت. كانت طعامنا البحري، نقطفها طازجة، نقصّها بالسكين أو بالمقص ونبتلع داخلها، بعد نزعه ووضعه على الإبهام .

راحت التوتياء، وراح الرمل الناعم، وراح مغاربة البرج، كما راحت عزيزة ومقهاها التاريخي. هكذا بهبّة ريح عمرانيّة ضاعت ذاكرة ، كأن عصفورة الشاطىء ما واجهت جنون الريح ولا أطايب الملح. لعلّها استوطنت أرض الطفولة وحبّات القلوب المقدّسة العتيقة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *