النّورس والفضاء

Views: 660

د. جان توما

كسفينة تبحث عن مرسى أتوه نورسًا في مجاري المياه. أرى الريح فلا أنكسر، وأرى الموج فلا أروح مطرحًا. باقٍ على جذع، أو على سنّ صخرة في العراء المالح خارجًا إلى مرمى العالم.

أنا النّورس. من له شراعان من حفنة أحلام تتمايل وجنون الطبيعة، يصير الدنيا كامتداد جناحيه في عرين الأفق وأيكِ الموج.

ما لي كلّما هبّ الهواء راح قلبي إلى من تشتهيه نفسي في العلن والسرّ؟ كيف تحفر الريشة اسمها في قماش العمر كمن يرمي الملح على الجرح؟ أهكذا تغتالني نجوم السماء، ما بين وقفة الصخر وسبيل الماء؟

وحيدٌ أنا في أعاصير الدنيا، أضعت السربَ والدربَ، وبقي البحر ملاذي، فيما أبحث عن رصيف ألقى عليه وجعي، وأترك مرساتي تدفن ألمي كي لا أخسر شوق الرحيل.

الى البمين برج المغاربة وقهوة عزيزة وشاطىء الذكريات.. “والعمر اللي كان”…

 

أعرف أنّ كفن البحار بحرُهُ، وأنّ بدءَ حياته يَمُُّه، وأنّ عمرَه إبحار ٌبين ميناء وآخر، فكيف بمن يبقى عمره حبيسَ ميناءٍ لا آخر له؟!

أنا النورس الوحيد في فضاء معجوق بالمطارح، يأخذني الملح إلى قصوره المائية. هناك أو هنا، لا أسوار ولا أبواب ولا نوافذ. تشتهي أجنحتك وقفة ” فوق الريح” واضطرابات ” المشتي” و” برونزات” المواسم و”نوّاتها”.

قد تسافر إلى جهات الأرض كلّها، لكنّك لن تجد مكانًا كالميناء، فيه تستطيع أن تفرد جناحيك على اتساعهما، وأن تواكب  حركة المحبّين والصيادين وبسطاء الثغر البحري. أنت هنا نورس وصيّاد ورصيف استقبل وجوهًا كثيرة من أماكن غريبة، وأبحرت منه وجوه كثيرة إلى أماكن موحشة، ولكن وجه الميناء بقي وحده مالىء الدنيا وشاغل الناس.

أنا النًورس، تكفيني وقفتي هنا. لي الريح والمطر  والمدى ولي العطر والصوت والصدى.

 

***

(*) اللوحة للصديق زياد غالب- جزيرة الرمكين في الميناء

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *