قصّة بناء
د. جان توما
تتساءل وأنت تتأمل جمالات الفنّ في كنيسة La Sagrada Familia ( العائلة المقدّسة) في برشلونة- اسبانيا: ماذا دار في عقل المعماريين الإبداعي لتستمر أعمال البناء أكثر من مائة سنة ؟
هل يسعى العقل الإنساني إلى ترجمة إيمانه عبر مواهبه العمرانيّة الفنّية المتبدّلة بين عصر وآخر؟ ربّ متسائل : هل يحتاج التعبير عن الإيمان هذه السنوات الطوال لبناء معابد للصلاة تتوافر فيها مجموعة من الطقوس الهندسيّة المعقّدة لممارسة طقوس العبادة البسيطة التي تكتفي بحَبَّة بَخُور ورفع يَدَين وانحناءة ركبتين؟
هي كنيسة لم تنته أعمال البناء فيها حتى اليوم، وقد بدأ بناؤها عام 1882 وفق تصميم وضعه المعماري العالمي أنطونيو جاودي (1852 – 1926 ). والطريف أن العمل يومها بدأ بدون رخصة بناء، ما أدّى إلى توقّف الأعمال فيها عدّة مرات، إلى أن أصدرت الحكومة الإسبانيّة عام ٢٠١٩، بعد ١٣٧ عامًا، تصريحًا رسميًّا تنتهي صلاحيته عام ٢٠٢٦ لاستكمال البناء، إذ يؤكّد المسؤولون في مدينة برشلونة أنّه ليس هنالك أي سجل يؤكد صدور «ترخيص بناء» حينها، رغم التقدّم بطلب للحصول على الترخيص عام ١٨٨٥.
قد يكون هذا البناء هو البناء الوحيد في العالم الذي لم ينته تشييدًا، ويزوره سنويًّا ما يزيد عن ٤ ملايين ونصف مليون زائر، فكم سيبلغ عدد زوّاره عند انتهاء أعمال هذه التحفة الإبداعيّة هندسيّا وفنّيا؟ خاصة وأنّ برج الكنيسة المركزي، سيكون عند انتهائه، أطول مبنى ديني في القارة الأوروبية، حيث من المتوقع أن يبلغ طوله 172.5 مترًا.
هل يكرّر المؤمنون في كلّ أبنيتهم – كما في تسميتهم؛ “ناطحات السحاب”- حادثة برج بابل؟ هل يسخّر المرء طاقاته الأبداعيّة لمقارعة السماء؟ تسمع، أمام ساحات الأبنية الضخمة في العالم، لهجات ولغات وألسنة متعدّدة، وتشهد التقاط صور تبرز ضخامة الأبراج في تساؤل عن براعة الفن وغرائبه وأنماط عمرانيته.
حين ينظر المصوِّرون إلى أجهزتهم الخلويّة يبدون علامات التعجب، مندهشين بصغر قامات من صوّروا أمام ضخامة أبنية الإنسان الهندسيّة العالية وعظمتها. لكن، في الحقيقة، يجب أن تبرزَ الصورةُ ، أوّلًا، أهمية عظمةَ أبنية الإنسان المؤمن الداخليّة: في تواضعه وصدق قلبه، ونقاوة إيمانه، وتظهير ثمار المواهب والوزنات التي أودعه إياها المولى، سواء في الهندسة أو الفنّ الأدب أو غيرها، فالمبتغى هو الحضور الإلهي في روح المؤمن، ونزوله من أبراجه المتعالية المتشاوفة خدمة وسعيا لترجمة إيمانه محبة للآخرين، وافتقادًا لإخوته في الأرض.
