كورونا

Views: 475

د. جان توما

كيف تغيّرت الأماكن وغابت الوجوه؟ من أخذ طبشورة وممحاةً وكتب على لوح الزمن سطرًا في العمر ، ومحا؟

هجرت الناس الدروب، وراحت القطط تملأ المواضع والمواقع مرتاحة بلا خطوات أُنس أو صراخ أطفال.

راحت الناس إلى سجونها الطوعيّة. سارت إليها اختيارًا أو كرهًا. ما بال قوة جبروت الإنسان خسرت من الجولة الأولى، وانكفأ إلى مخدعه بالضربة القاضية؟

فيروس لم تره ولن تراه . محارب يلبس شخصك أو من يواجهك يوميّا. متقلّب له الوجوه كلّها. نزيل الفم والعين واليد والمطارح جميعها. عظمته في غموضه واختفائه وظهوره بعدما ينتهي من غزوته. سرّ هذا الفيروس أنّه يلغي اللقاء، ويبدّد الحوار، ويبدّل أساليب العيش دون أن يبتكر طرائق تواصل جديدة. هو حاضر ناضر، وفي الوقت نفسه جوّاب مساحات، متلصّص، يدرس مواطن الضعف فيسقط الأسوار، ويرفع رايته ليتركك تبحث في الأزقة عن حديث يومي، أو معشر رفيق، أو لقاء صديق.

لقد غزا الوباء تلافيف عقل الإنسان، لذا ترى المرء مضطربًا، مبحرًا في عالم السؤال، عارفًا صعوبة ما جرى، حذرًا، متابعًا، مترددًا.

اليوم تعيد مشهديتك اليومية ألف مرّة لتحدّد اسلوب مسلكك، فإن التقيت صديقًا تهمّ بالتسليم عليه بالعناق أو التقبيل وفجأة تتراجع.تدخل محلًا أو مؤسسة، تمسك بهذا الغرض او الآخر، فجأة تتراجع وتبدأ بتطهير يديك.

ذاهبون إلى أمراض نفسيّة، لأن العيش صار على حدّ السكين ، أو كما يقولون: “واقف ع شوار” إذ ويلك من السقوط، وويلك من حفظ التوازن على هذه الحافة.

يبدو أن سمة هذه الأيام هي الرقص على الصفيح الساخن. هنا لا خطوات إيقاعيّة، بل قفز من لهب إلى آخر.

 

(*) الصورة للفنان جاك أرتو- الميناء

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *