وليم صعب ودعوته إلى توحيد العامّيات العربية: ما تَعنيه وما لا تَعنيه (2من 5)

Views: 764

نَنشر هنا الفصل الخامس من كتاب د. أديب صعب عن والده: وليم صعب شاعر القضايا الأزلية، الصادر في منشورات جامعة البلمند عام 2015. ويدور الفصل على الدعوة التي أطلقها وليم صعب ودافعَ عنها، في شعره كما في تنظيره عن الشعر الشعبي، مطلقاً عليها اسم “توحيد العامّيات العربية”. في تفسيره لهذه الدعوة: ما تعنيه وما لا تعنيه، يفتتح أديب صعب باباً جديداً في دراسة الشعر الشعبي، هو باب الدراسة المقارَنة. وتتناول مقارنته، على وجه الخصوص، أوزان الشعر الشعبي في لبنان وفي بعض البلدان العربية، خصوصاً مصر وتونس. (الحرف “د” في النصّ يشير إلى كتاب وليم صعب الديوان، والحرف “ح” إلى كتابه حكاية قرن).

 

 

 

د. أديب صعب

  لكن ماذا عن الاصلاحات الشكلية في الزجل؟ لا شكّ أنّ ضبط الوزن أمر ضروري. وأوزان الزجل، كما بَيَّنَ صعب، هي ذاتُها الأوزان العربية الخليلية، نسبةً إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم الأوزان أو العَروض، أو هي مشتقة منها (ح، 125-128). فهناك بحر الرجَز، الذي نقع على نماذج كثيرة جداً منه في الزجل تحت اسم “المعنّى”، وكذلك “الميجنا”. وهو مؤلَّف من ستّ تفعيلات على وزن “مستفعلن”: ثلاث في الصدر وثلاث في العجز. وهذا بيت معنّى:

 نَزَّلْت عن برْج السياسه بَيرَقي،             وْتيجان وَهمي خْلَعتها عن مفرقي 

وتقطيعه كالآتي:

نَزْزَلْتِ عَنْ – بِرْجِسْسِيَاْ – سِهْ بَيْرَقِيْ

/0/0//0   – /0/0//0 – /0/0//0

مُسْتَفْعِلُنْ    – مُسْتَفْعِلُنْ – مُسْتَفْعِلُنْ

   وأحياناً كثيرة يلتقي ساكنان في قافية الرجز الزجلي (المعنّى)، كما في هذا البيت:

 إلْبُس وِشاح الليل يا سوق المَجال،         وِتْبشنقي بعصبات سودا يا نِصال

حيث تغدو التفعيلة الأخيرة “مستفعلاتْ” أو “مستفعلانْ” (مُسْتَفْعِلُنْ نْ).

   وهنا بيت ميجنا:

 يا مُنْيِتي لا تْحسّبي حُبِّك هوى            من عرش قلبي وْما بقي عندي هوا

ولا يختلف تقطيعه عن تقطيع البيت السابق.

   وهناك شكل آخر يُنْميه صعب إلى الرجز، يجري على “مستفعلن مستفعلن فعْلن” في الصدر والعجز. وما يُنظَم عليه زجلاً كان يُسمَّى “القصيد”. وهذا بيت منه:

 يا باعِث الأُمِّه ومُنْشيها                وْحامي العُروبه وْسَيف ماضيها

وتقطيعه كالآتي:

يَاْ بَاْعِثِلْ – أُمْمِهْ وَمُنْ – شِيْهَاْ

/0/0//0- /0/0//0  – /0/0

مُسْتَفْعِلُنْ – مُسْتَفْعِلُنْ  – فَعْلُنْ

كذلك قد يلتقي ساكنان في قافيته، كما في القصيدة نفسها:

 نِسْطي على مقدام فينا قام            وِنْمَجِّد الصعلوك في الأخصام 

لكني أرى أنّ نسبته إلى السريع أصحّ، بما أنّ تفعيلته الأخيرة، “فَعْلُنْ”، يمكن أن تُقرَأ “فاعِلْ”. وهذا من أشكال السريع: “مستفعلن مستفعلن فاعلن”.    

   ومن مجزوءات الرجز وزن “مستفعلن مستفعلن” في الصدر والعجز. وما يُنظَم عليه زجلاً كان يسمّى “الحداء”. وهذا بيتٌ منه:

 لبنان يا عرس السما            ونور البسيطه ونارها

وفي قافيته أو تفعيلته الأخيرة أيضاً قد يلتقي ساكنان: بِسْفاينَك عَجّ المُحيط.

 

   وهناك بحر البسيط المؤلف من “مستفعلن فاعلن مستفعلن فَعِلُن”. وتجدر الاشارة إلى أنّ التفعيلة الأخيرة في الزجل هي دائماً “فعْلن” بتسكين العين، أو “فَعْلانْ” (فعلنْ نْ) عند التقاء الساكنين في القافية، لأنّ الزجل التقليدي لا يستوعب ثلاثة متحركات، إلا في بعض المنظومات الحديثة على المتدارَك أو الخبَب، ومفتاحه الموسيقي “فَعِلُنْ” التي يمكن أن تنحدر إلى”فَعْلُن”. والبسيط في الزجل هو “الشروقي”، وأيضاً الموّال البغدادي والموال المصري. وهنا نموذج منه:

 كَسِّر قداح الطرَب وِهْجور صافيها،           سَكْره طَويله، حَياتَك ضايعه فيها

وهذا بيت مع التقاء ساكنَين في القافية، وهو كثير في الشروقي:

 رَبعَك منار الوطن وِمْحَجّة الأكوان،          مَهْد الخُلود وْحِمى سبّاقة الميدان

   وللشروقي البدوي شكل آخر، يَنسبه صعب إلى الرجز. لكني أرى، هنا أيضاً، نسبته إلى السريع. وتفاعيله هكذا: “مستفعلن مستفعلن فاعلاتن” في الصدر والعجز. وما يجعله من السريع أنّ تفعيلته الأخيرة، “فاعلاتن”، يمكن أن تُقرَأ “فاعِلُنْ لُنْ”. وهذا مثل عليه:

 يا تايِهِ الأنظار، ما لَك محيَّر؟                طَلِّع إلى رَبَّك، توَسَّل بِعَينَيك 

   وفي نظْم الشروقي على البسيط كما على السريع تأكيدٌ على أنّ أسماء الأشكال الزجلية، من معنّى وقرّادي وشروقي وعتابا وأبو الزلُف وسواها، منسوبة إلى الألحان لا إلى الأوزان. فالأوزان هي أوزان الشعر العربي الفصيح، أو مستمَدّة منها. والملاحظة نفسها تصحّ على الأسماء التي أُطلقَت على أشكال الشعر الشعبي خارج لبنان، إذ تشير إلى ألحان غنائية لا إلى أوزان شعرية. 

   وقد اشتهر في الزجل، خصوصاً المغنَّى، نوع “أبو الزلُف”، وهو الشروقي على الوزن البسيط، مقسوماً إلى شطرين لكل منهما قافيته. وهنا مثل:

 غنّى نسيم الجبَل:                هَيّا بنا، هَيّا

 لبنان مسرح أمل                وِعْيون سِحْرِيَّه

وتجدر ملاحظة عبارة “سحريَّه” بالفتحة الفصحى على الياء المشدَّدة عوضاً عن الكسرة التي يقتضيها اللفظ اللبناني. وهذا لازِمٌ في “أبو الزلُف”  كما ذكرنا سابقاً.  

   وهناك الوافر، الذي يُنظَم عليه في الزجل أحد أشكال ما يسمّى “القصيد”، وكذلك العتابا. والوافر مؤلَّف من “مفاعلَتن مفاعلَتن فعولن” في الصدر والعجز. ويمكن أن تنزل “مفاعلَتن” درجة واحدة بتسكين اللام لتصير “مفاعيلن”. وبما أنّ الوزن العامّي اللبناني لا يستوعب بسهولة ثلاثة متحركات كما قلنا، فإنّ “مفاعلَتن” تصير “مفاعيلن”. وهنا بيت عليه:

 حَماها وْجاد بالغالي فِداها                وْرَمى نَفسو على صَيحِة نِداها

وبيت آخر، من العتابا:

 دَخيل الربّ، حاجي عْلاج، روحي        ولَو كان بْلِقاكِ عْلاج روحي

   وهناك مجزوء الرمَل: “فاعلاتن فاعلاتن” في الصدر والعجز، الذي يجري عليه الندب في الزجل اللبناني، علماً أنّ قصائد أُخرى، غنائية وسواها، كُتِبَت عليه. وهذا بيت منه:

 مهْرِة الحَرب الأصيلِه            مْقَيَّدِه تِزْحَف ذَليله

   وهناك المتدارَك أو الخبب، الذي يُكتَب عليه نوعان شهيران جداً من الزجل اللبناني، هما القرّادي والموشَّح. ومفتاح المتدارك الموسيقي هو “فَعِلُنْ” التي يمكن إنزالها درجة واحدة لتصير “فَعْلُن”. وهذا هو الشائع في الزجل اللبناني، لأنّ المتحركات الثلاثة في “فَعِلُن” هي، كما ذكرنا، خارج موسيقية هذا الزجل التقليدية. وهنا مثل من القرّادي:

 إسْم الحرّيِّه الجبّار              شَطْحَه وْجالِت بالأفكار

 و”الإنسانيِّه” كلْمِه               أحْرُفْها ضاعِت بالنار

وهنا تقطيعه:

إسْمِلْ – حرْرِيْ – يِلْجَبْ  – بَاْرْ

/0/0 – /0/0  – /0/0   – /00

فعْلُن   – فعلُنْ  – فعْلُن   – فَعْلْ [فَاْعْ]

وِلْ إنْ – سَاْنِيْ  – يِهْ كِلْ – مِهْ

/0/0  – /0/0  – //00 – /0 

فعْلُن   – فعْلُن  – فعْلُن  – فَعْ [فَاْ]

   وهذا مثل من الموشَّح، وهو يجري على: “فعْلن فعْلن فعْلن فعْ” في الصدر وعلى: “فعْلن فعْلن” في العجز، أو “فعْلن فعْلانْ” [فعْلنْ نْ] عند التقاء ساكنين في القافية:

 بَين الضفِّه والضفِّه               عرْس عْصافير

   ويورِد صعب مثلاً على وزن آخر هو المجتثّ، المؤلف من “مستفعلن فاعلاتن” في الصدر والعجز، وقد أضافه إلى الزجل اللبناني بنظمه أبياتاً عليه في مسرحيته المغنّاة “الأجنحة المتكسرة”، ثم في إحدى قطعه الاذاعية، كما مرّ معنا في الفصل السابق.

 

   هذا يعني، بما لا يقبل الشك، أنّ أوزان الشعر الشعبي كلها عربية، وإنْ أُعطيَت أسماء أُخرى في لبنان وخارج لبنان. وهذه الأسماء، ومنها المعنّى والقصيد والقرّادي والموشَّح والشروقي والعتابا وأبو الزلُف في لبنان، آتية، كما لاحظنا، من الغناء، أو لعلها آتية من المواضيع أو من المصدرَين كليهما. وعندما ضربَ وليم صعب أمثلة من شعر رشيد نخلة بالذات على عدم جواز بعض الأُمور الوزنية، فهو لم يقصد النيل من أهمية شعر نخلة الذي كان يُجلّه، بل شاء التأكيد على أنّ بعض هذه التجاوزات وردت لدى كبار الشعراء. وتكاد لا تخلو قصيدة واحدة في “معنّى رشيد نخلة” من خطف أحرُف اللين أو العلّة، وهي الألف والواو والياء. وهنا نماذج من هذه المجموعة:

 وِسْنان لولو وشَعر ساجِد عالقدام            يشفَع بِقَلب المبتلي ويقول حَرام28

 قايمِه مْنِ النوم مَدْلوح شَعرها29

 ما زال قَدَّك رِمْح والسيف حاجبَك30

 بِلْمَح بَصيص مثل البَريق من دارهُم         يا ترى برق السما أو بَرْق عَين؟31

في الشطر الأول من هذا البيت خُطِفَ حرف الياء مرّتين، في كلمتَي “بصيص” و”البريق”. ولئن لم يذهب هذا برَوعة البيت، خصوصاً في شطره الثاني، إلا أنه عيبٌ وزنيّ يَحسن تَجاوُزه. وهو يتجلى بقوّة في أبياتٍ مثل هذا:

 كلّ شي في وْتار وفي نغمات طرَب          وِدْفوف ودربكّات ونحاس وقصَب32

   وفي ما يأتي شطورٌ رائعة لفظاً ونظماً ومعنى من إحدى قصائد نخلة، على رغم العيب المذكور؛ بل يمكن القول بأنها كانت أروع لولا هذا العيب:

 لا تْقول هي شو باك وَلا قول شو بِكِ…

 لما ﭐلتقينا تْلَعثَموا لْساناتنا            وْصار الحَكي بَيناتنا من دون حَكي…

 وْبالعُيون نِشرَح هَوانا وْنِشتكي33 

   وهنا أيضاً بيتان رائعان، على رغم هذا العيب في البيت الأول: 

 قلبي طلَب إترُك هَواك يا مْعَذّبو     وْيا وِلْف لُو تْشوف هالطلب ما أصعَبو

 يا رَيت لي قلبَين: قَلب بْعيش فيه    وْقَلب تاني في هَواك بْعَذّبو34

   ولعل هذا العيب يبدو أخف أثراً في عبارات مثل “غَير” و”بَين”، كما في هذين المثَلين:

 عَيني لغَيرِك يا رضا وْقلبي مَعِك    وْغير شكل عن عَيني بِقَلبي بِقْشَعِك35

  وْسَعدي وْشَقايي بين رَفيف جْفونها36

   لا شك أنّ رشيد نخلة، وهو الشاعر الضليع في اللغة العربية والمتمكن من الشعر المُعرَب والزجلي كليهما، كان واعياً هذه الهفوة في النظم الزجلي. لكنه نظر إليها من حيث هي خطأ شائع يجوز في الكلام الدارج. لكنّ هناك خطأً شائعاً في النظم الزجلي، لا يلاحظه إلا الضليع في إيقاع الشعر. وهو عرضة للظهور في أكثر من وزن، وعلى الأخص الرجز (المعنّى) والسريع (القصيد) والوافر (القصيد والعتابا). وهو يتجلّى في الاستغناء عن متحرّك وساكن في مطلع الرجز، أي “فا”، بحيث يغدو “تَفْعِلُن مستفعلن مستفعلن”، أي يصير على الرمَل: “فاعلاتن فاعلاتن فاعلن”. والرمَل غير الرجز. كما يتجلى في السريع بالهفوة نفسها، فيصير مطلعه “تَفْعِلُن مستفعلن فعْلن”، أي “فاعلاتن فاعلن فعْلن”. وهذا نوعٌ من البحر المديد يسمَّى “المعتل”، كما في قصيدة عديّ بن زيد: “يا سُلَيمى أَوقِدي النارا / إنّ مَن تَهْوينَ قد حارا”. أما الوافر، وهو “مفاعيلن مفاعيلن فعولن”، فيخسر متحركاً من أول البيت مع الهفوة المذكورة، ليصير: “فاعيلن مفاعيلن فعولن”، أي: “مفعولن مفاعيلن فعولن”. وهنا مطلع قصيدة شهيرة ورائعة من رشيد نخلة، يجسد الخطأ المذكور بالنسبة إلى الرجز:

 إنْ بكيتِ الكَون من أجلِك بِكي            وٱن ضحكتِ ٱنهَزّ عرش المملكِه

 وكلّ شي رَبّي خلق لطف وجَمال         أعطى البشر قيراط والبَقْوِه لِكِ37 

فالشطور الثلاثة الأُولى على الرمَل، فيما الرابع وحده على الرجز. وبما أنّ الرجز هو المقصود، فلا يجوز أن تكون ثلاثة أرباع البيت من الرمَل. إنّ أثَر الرمل الموسيقي في الزجل يضيع إذا أتى نادراً ضمن أبيات كثيرة على الرجز. لكنّ النشاز يظهر جليّاً إذا غلَبَ الرمل على الرجز، علماً أنّ الرمل غير موجود في الزجل اللبناني إلّا بشكله المجزوء (فاعلاتن فاعلاتن) الذي يُنظَم عليه الندب.

 

   وهنا بيتان من رشيد نخلة، يجري صدراهما على السريع وعجزاهما على معتلّ المديد:

 يَوم التلاتا حَمَّلوا مْنِ الدار            وْخَلَّفوا بالقلب شعلة نار

 ريت التلاتا يِنْمِحي إسمو             ولو نقِص من كل جمعه نْهار38 

   ومن الوافر هذا المثل، من نخلة أيضاً، حيث نلاحظ نقص مقطع من متحرك وساكن في أول الشطر الثالث:

 بِجاه من مَدّ جنْحِك يا حَمامِه         على سْطوح الحبيب غِطّي ونامي

 لا عَينِك مثل عَيني حَزينِه            وَلا حْلامِك عَلى الفرقه حلامي39

   تقديري أنّ هذه الجوازات دَخلت على الزجل من جرّاء تلحينه وغنائه. فالمَدّة الموسيقية في الغناء لا تلتزم دائماً وزن الشعر. ونلاحظ في الزجل المنبري الملحَّن أنّ الزجّال يملأ المقطع الفارغ، المؤلَّف إما من متحرك وساكن كما في الرجز والسريع وإما من متحرك كما في الوافر، بِمَدّة نغميّة من عنده. وتجدر الاشارة إلى أنّ وليم صعب لم يُجِز هذه الجوازات في الزجل، وأنه هجرَها في شعره هو بعد وضع إصلاحاته. لكنه سمح لنفسه، بعد زمن، بتجاوزات ضئيلة لا تكاد تبلغ السمع المرهَف حتى تختفي لِنُدْرتها بين القصائد أو في قصيدة واحدة. وهنا بيتان، يظهر التجاوز في عجز البيت الثاني منهما:

 وَينَك يا عيسى تْشوف هالكفْر القَبيح          وَينَك يا طاها تْعود معنا تبتدي؟

 شِفْلي: مَسيحي مين منّا يا مسيح              وْمين منّا يا رسول مْحَمَّدي؟ (د، 198)

   أما عيوب القافية في الزجل التقليدي، التي دعا صعب إلى الاقلاع  عنها، فلعلّها انتقلت من الزجل المنبري المرتجَل إلى الزجل المكتوب. وإذ لا يمكن التساهل في استخدام المَدّة الطويلة مع المَدّة القصيرة التي تُجانِسها، كالألِف مع الفتحة والواو مع الضمة والياء مع الكسرة، كما في نَغَم / مَنام، وجزُر / بحور، وسمِع / بَديع، إلا أنّ التساهل أدعى إلى القبول حيال ما يسمّى “سناد الحَذو” في علم العَروض. ولكي نفهم هذا، يجب أن نعرف بعض المصطلحات العروضية المتعلقة بالقافية، وهي الآتية: (1) الرويّ هو الحرف الأخير من القافية؛ وفي حال انتهاء البيت بضمير متصل، يكون الرويّ هو الحرف الذي يسبق هذا الضمير. (2) الرَّدْف هو حرف اللين أو العلّة الذي يسبق الرويّ. (3) الحَذو هو الحركة السابقة لهذا الحرف. (4) السِّناد هو كل عيب في القافية قبل الرويّ. من هنا لا تجوز عبارة مثل “صَوت” مع “قُوت” في القافية، ولا عبارة مثل “أبِيت” مع “أبَيت” أو “مَيْت”. وهذا هو سناد الحَذو. ومن أمثاله في الزجل: تعبِيرو / غَيْرو؛ لَيل / جِيل. يبقى عيبٌ واحد للقافية في نظر صعب، هو استعمال الهاء المقلوبة عن تاء مربوطة مع الياء، كما في “حمامِه” مع “سلامي”. وقد نَهى عنه لأنّ “حمامه”، بكسر الميم الواقعة قبل الهاء، لفظٌ مقصور على اللهجة اللبنانية أو الشامية عموماً، في حين تُلفَظ “حمامه” بفتح الميم، أي كما هي في اللغة المُعْرَبة، خارج بلاد الشام. وهو أجاز ذلك في الزجل المنبري، خوفاً من أن يجد الشاعر نفسه حائراً أو مخذولاً، في حين يقتضي الارتجال سرعة الردّ. وانتقد الشعراء الذين يكتبون كلمات مثل “مفتونه” بالياء (مفتوني) تسهيلاً لِلَفظها، لأنّ هذا يضيف إلى العيب المذكور عيباً في الاملاء. لكنّ اللهاث وراء هذه القوافي يمكن أن يسلب الشعر كثيراً من العفوية. وليس كل الشعراء ممّن “يَذودون عنهم القوافي” شأن وليم صعب الذي طَبّق على شعره هو هذا الشرط وبقية الشروط التي اقترحها، وإنْ تسامحَ مع الشعراء الذين نَشر لهم في مجلته حيال بعض هذه العيوب. ولعل السبب الذي حَداه على اشتراط هذا الأمر في قافية الزجل ليس قائماً اليوم، لأنّ اللهجة اللبنانية، كما المصرية والخليجية، باتت منتشرة حول العالم العربي، خصوصاً بفضل الأغاني والمسلسلات التمثيلية والأفلام التي تبثّها القنوات الفضائية.   

   هذا الشرط الأخير في بنود صعب مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بدعوته إلى توحيد العامّيات العربية. فمَن يستطيع الكتابة لعشرات الملايين، كما يرى، لا يجوز أن يكتفي بمخاطَبة عدد محدود من القرّاء. وهنا سنتناول ما تعنيه هذه الدعوة وما لا تعنيه، مع النظر إلى ما يمكن أن يبقى منها اليوم.

                                                                   (يتبع)

***

 

هوامش

(*) ملاحظة: الهوامش أدناه للراسة بحلقاتها الخمس وستنشر مع كل حلقة 

– وليم صعب، الديوان، بيروت: دار النهار، 2001.

– وليم صعب، حكاية قرن [سيرة ذاتية أدبية]، بيروت: دار النهار، 2001.

  1. مجلة البلبل، أُسبوعية تبحث في الشعر القومي، العدد الأول، الاثنين 9 تشرين الأول 1933، 1.
  2. مجلة البلبل، العدد 11، الاثنين 18 كانون الأول 1933، 2.
  3. المصدر نفسه.
  4. مجلة البلبل، العدد 16، الاثنين 22 كانون الثاني 1934، 6.
  5. مجلة البلبل، العدد 18، الاثنين 5 شباط 1934، 7.
  6. مجلة البلبل، العدد 36-37، الاثنين 25 حزيران 1934، 14.
  7. مجلة بلبل الأرز، العدد 1-2، الاثنين 4 آذار 1935، 19.
  8. المصدر نفسه، 30.
  9. انظر المحاضرة الثامنة عشرة من محاضرات فرويد عن التحليل النفسي:

Sigmund Freud, Introductory Lectures on Psychoanalysis, Translated by James Strachey, London: Penguin Books, 1991.  

  1. انظر الكتاب الآتي عن “الثورة الفلسفية” الأنكلوسكسونية:

A.J. Ayer et al, The Revolution in Philosophy, London: Macmillan, 1956.

  1. عن البيان الأول للحركة السوريالية وما يليه، انظر الأعداد الاثنَي عشر من مجلة أندريه بريتون الصادرة في باريس بين 1924 و1929 (La Révolution Surréaliste).
  2. مجلة بلبل الأرز، العدد 5-6، الاثنين 25 آذار 1935، 56.
  3. المصدر نفسه.
  4. المصدر نفسه.
  5. مجلة بلبل الأرز، السنة 3، العدد 2، 31 آب 1938، 9.
  6. المصدر نفسه، 15.
  7. معنّى رشيد نخلة، جمعَه [ابنُه] أمين نخلة، صيدا: المكتبة العصرية، 1945، 95.
  8. المصدر نفسه، 177.
  9. المصدر نفسه، 125.
  10. المصدر نفسه، 148.
  11. المصدر نفسه، 223.
  12. المصدر نفسه، 89.
  13. المصدر نفسه، 99.
  14. المصدر نفسه، 101.
  15. المصدر نفسه، 191.
  16. المصدر نفسه، 114.
  17. المصدر نفسه، 203.
  18. المصدر نفسه، 85.
  19. المصدر نفسه، 92.
  20. المصدر نفسه، 95.
  21. المصدر نفسه، 116.
  22. المصدر نفسه، 129.
  23. المصدر نفسه، 98.
  24. المصدر نفسه، 216.
  25. المصدر نفسه، 159.
  26. المصدر نفسه.
  27. المصدر نفسه، 85.
  28. المصدر نفسه، 140.
  29. المصدر نفسه، 114.
  30. مجلة بلبل الأرز، السنة 3، العدد 2، 31 آب 1938، 9.
  31. محيي الدين خريّف، الشعر الشعبي التونسي: أوزانه وأنواعه، ليبيا: الدار العربية للكتاب، 1991، 13.
  32. المصدر نفسه.
  33. أحمد رشدي صالح، الأدب الشعبي، القاهبة: مكتبة النهضة المصرية، 1955، 29.
  34. مجلة بلبل الأرز، السنة 2، العدد 4، 10 تشرين الثاني 1938، 12-13.
  35. أحمد رشدي صالح، المصدر المذكور، 20.
  36. المصدر نفسه.
  37. المصدر نفسه، 21.
  38. المصدر نفسه.
  39. المصدر نفسه، 22.
  40. المصدر نفسه، 23.
  41. حسين مظلوم رياض ومصطفى محمّد الصباحي، تاريخ أدب الشعب: نشأته، تطوراته، أعلامه، القاهرة: مطبعة السعادة، 1936، 55.
  42. المصدر نفسه، 5.
  43. المصدر نفسه، 71.
  44. المصدر نفسه، 249-250.
  45. المصدر نفسه، 281.
  46. المصدر نفسه، 94.
  47. المصدر نفسه، 126-127.
  48. المصدر نفسه، 250.
  49. المصدر نفسه، 85-91.
  50. المصدر نفسه، 159-160.
  51. المصدر نفسه، 163.
  52. المصدر نفسه، 191.
  53. المصدر نفسه، 180.
  54. المصدر نفسه، 269.
  55. المصدر نفسه، 265.
  56. يونس الابن، أربع خمس كلمات، بيروت: منشورات مجلة المواسم، 1966، 65.
  57. رياض والصباحي، المصدر المذكور، 82.
  58. المصدر نفسه، 310.
  59. المصدر نفسه، 152.
  60. المصدر نفسه، 175.
  61. المصدر نفسه، 122.
  62. المصدر نفسه، 206-210.
  63. المصدر نفسه، 330.
  64. المصدر نفسه، 324-327.
  65. المصدر نفسه، 316.
  66. المصدر نفسه، 75.
  67. عزّ الدين إسماعيل، الشعر القومي في السودان، بيروت: دار العودة، 1969، 52.
  68. محيي الدين خريّف، المصدر المذكور، 14-30.
  69. المصدر نفسه، 29.
  70. المصدر نفسه، 15-16.
  71. المصدر نفسه، 15.
  72. المصدر نفسه، 72.
  73. المصدر نفسه، 139.
  74. المصدر نفسه، 109.
  75. المصدر نفسه، 137.
  76. المصدر نفسه، 193.
  77. معنّى رشيد نخلة، 50.
  78. جريدة الرياض، العدد 14040، السبت 2 ديسمبر (كانون الأول) 2006.

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *