تراب العلالي

Views: 676

د. جان توما

تنبسطُ البيوتُ على مساحة القرى كبساطة أهل الأرض هناك. تتلألأ نوافذُ البيوت بمصابيح تزغرد بقدوم المساء وتنسجُ بخيطان أنوارها منديلَ السهر. كأنّ الليالي تضجر من دون أحاديث السَّمَر عند مصطبات البيوت، أو للسمّار الجالسين على أرجوحة الضوء يقطفون، كلّما ارتفعوا، شهبًا من سماء العلالي ويودعونها حين ينزلون ترابًا يستحيل قوارير من نور.

أيحكي الليل؟ أيبوحُ بوجعه؟ لعلّه يهمس سرًّا في آذان العاشقين، يحكي وجعه وألمه وفرحه وسروره؟ يبقى القرميد شاهدًا على أنغام العتمة النورانيّة، فيما جلباب البعيد يغطي الناس ويأخذهم على شاله، كما على بساط الريح، فلا تعود الليلة ليلة واحدة بل ألف ليلة وليلة.

حكت العجوز للأطفال الذين التصقوا بشالها الكبير قصة الليل الذي هرب فجرًا إلى الجبل المجاور، اختبأ في مغارة مرصودة، كلّف الليل القمر بأن يتجسّس مساء على القرميد الحاكي قبل أن يخلع الليل عباءته على الأرجاء، فيما يمسك بيده حقيبة الرحيل قبل ولوج النور إلى الأمداء.

كيف يمتدّ الليل في مواجهة امتداد السهول والتلال؟ ولماذا تتضرع أغصان الأشجار ولمن؟ ما هي الصلاة التي  تتلوها أنفاس البريّة لتعاقب الليل والنهار؟ ولتساقط أوراق العمر فيما الريح يشلّع الدنيا ليأتي المطر  غاسلًا ملامح الوجوه المجرّحة والشرايين النافرة بورد الزمن قبل وداع المواسم؟

 

(*) الصورة : إهدن بعدسة الفنان داني بركات.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *