“لبنان أرض العسل واللبن”… هل أضحى مجرّد صور في لوحات؟!

Views: 372

أنطوان يزبك

 

في رحلة البحث عن صورة الوطن ومعناه، مآله ومصائر بنيه

لبنان أرض مقدّسة أم مدنّسة؟

بلد التناقضات والفروقات حيث المقدّس والمدنّس يجتمعان!

 

حين تخرج إلى الشوارع والمدن وحتى إلى القرى في الجبال، تشعر بغربة ما بعدها غربة!

أهذا هو لبنان الذي عرفناه وتغنى به الشعراء والأدباء والرحّالة وكل زائر ومقيم؟

بلد غريب عن ذاته، تلك الذات القصوى التي كانت في جينات تكوينه، ولن أُسرف في وصف السلبيات والحضيض الذي وصلنا إليه، فالواقع سوريالي بدرجة كبيرة، مؤلم ومخيف إلى حدّ الجنون، خطر وقاتل إلى حدّ الانتحار والزوال؛ ولكن سأذكر ما هو جميل عن طبيعة هذا البلد لعلّ الصور الأدبيّة تعوّض بعضًا من خسائر الواقع!

ميخائيل نعيمه

 

يقول ميخائيل نعيمه في مقابلة مع الدكتور متري سليم بولس ما يلي: “ولأننا نملك بقعة من الأرض تدعى الشخروب في سفح جبل صنين كنت أمضي الصيف كلّه في تلك البقعة وليس في مستطاعي ولا في مستطاع أي إنسان أن يحلّل لك كيف كانت الطبيعة تفعل فعلها في نفسي. ماذا كان يعني لي تغريد عصفور، وقرقرة الحياة في قناة صنين (…)

وليس في مستطاعي أن أحلل لك ما كانت تفعل في نفسي إطلالة الشمس من وراء صنين، وإطلالة القمر في الليل، ومدى تأثري بالأنغام السابحة في الفضاء طوال الليل”.

تصف هذه اللوحة فردوسًا أرضيًا ليس ببعيد عنّا، إنه في قمم لبنان التي ألهمت كثرًا، ففي مقال للشاعر هنري زغيب تحت عنوان “كلمات قالوها في لبنان”، حرف من كتاب (موقع جماليا) نقرأ المعلومات التالية: 

الرحالةُ الفرنسي ڤيكتور غيرين

 

بعدما زار لبنان سنة1881، ها هو الرحالةُ الفرنسي ڤيكتور غيرين (Guérin) يقول: “لبنان إحدى أجمل المناطق الجبليّة في الأرض”.

هل هناك ندرة في الجبال من حول الأرض، ولكن هذا الرحالة خبر جبالا وعرف قممًا وآثر جبال لبنان على عشرات غيرها.

وفي هذا المكان بالذات، نستطيع فعلا أن نرى نذرًا أو نشمّ عطرًا من عطور ظلّ الله وقبسًا من قداسة حين يقول إرنست رينان سنة 1860 في مؤلفه العظيم “مهمة في فينيقيا”، ما يلي: ” ساحِرٌ مذهلٌ هذا اللبنان. فيه بقايا عطرٍ يرقى إلى أيام المسيح!”

صحيح أن رينان كان ملحدًا على الرغم من كتابه عن المسيح، ولكنه لم يخفِ إعجابه بلبنان ويتلمّس هذا السحر الماورائي الذي تكتنفه طبيعته الجميلة وروعة مناظره ووديانه الحافلة بالماء والخضرة والمناظر الخلابة!..

إرنست رينان

 

لا أحد يستطيع أن يقف أمام الجمال من دون أن يعبّر عن مشاعره، أو على الأقلّ يستعمل في كلامه تشبيهات متلازمة مع ما يودّ قوله  وإظهاره.

يقول هوشع النبي (14-7؛8):  فروعهم تنتشر. يكون بهاؤهم كالزيتون، ورائحتهم كلبنان. يرجعون ويسكنون في ظلي، فيحيون كما في جنة. يزهرون كالكرم، ويكون صيتهم كخمر لبنان”.

في كلمات هوشع استعادة للخير الذي تعطيه الأرض وتغني الإنسان في لوحة من الجمال والعطور الزكيّة، وتصبح حينها الحياة كما في الجنّة.

نحلم أن نعيش في جنّة، أو على الأقلّ أن يتسنى لنا الاستمتاع بجمالات الأرض المحيطة بنا، لكن نهدر أيامنا في قلق وآلام وعذابات غير موصوفة، ورغم أن هذه الخيرات نصب أعيننا، إلا أننا نتلظى ولا نستطيع إليها سبيلا، على حد قول الشاعر العربي ذات يوم: “كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول”.

الأخطل الصغير

 

عند إعلان دولة لبنان الكبير قال الأخطل الصغير في قصيدة يمدح فيها “غورو”:

عاد لبنان كبيرًا وغدا

           الأرز شيئًا من حقول الدولِ

كان للقول زمان وانقضى

          ولقد جاء زمان العملِ

لو علم الأخطل الصغير، أي وطن كان يؤلّف حينها، وأية تناقضات خُلطت في برميل واحد حتى تفجّر وسمّمت شظاياه كل هذا “الجمال” الذي أصبح صورًا في لوحات!!..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *