الروس أنقذوا أردوغان من الانقلاب العسكري عليه وميوعتهم السياسية تجاهه شجعته على تحويل آيا صوفيا إلى مسجد

Views: 875

د. نعيم جوزيف سالم

ماذا يعني قرار تحويل متحف آيا صوفيا (الكنيسة البيزنطية) الى مسجد؟ وهل العلاقات بين تركيا وروسيا ستبقى جيدة مع اعتماد هذا القرار حيز التنفيذ؟ ما هي اسباب اعتماد هذا القرار اليوم؟ وهل اطلق يد تركيا اميركيا في هذا القرار لكي يصيب هدفين بحجر واحد روسيا والاسلام السياسي وبالتالي اعتماد تركيا الممثل الاقوى للسنة بوجه الممثل الاقوى شيعيا /اي ايران؟

أولا بالشكل،  قرار أردوغان بتحويل كنيسة آيا صوفيا (Hagia Sophia) إلى مسجد -بعد أن كان أتاتورك في ثلاثينيات القرن الماضي قد حولها الى متحف وفتحها لكل الناس والزوار دون قيود، حتى أصبحت تستقطب أكثر من ثلاثة ملايين زائر سنويا وتدر عشرات ملايين الدولارات للدولة التركية- هو قرار دوغماتي بامتياز.

 


 بالسياسة الدولية،  هذا القرار الأخير ما كان ليحصل لولا ميوعة وتذبذب السياسة الروسية منذ مجيء الثنائي يلتسن وبوتين للسلطة في روسيا.  فروسيا منذ سقوط القسطنطينية في العام 1453 أمست وريثة الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية.  صحيح أن بوتين في العقدين الأخيرين أعاد الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الى الواجهة في المجتمع الروسي، بعد ان كانت الحقبة السوفياتية قد طمستها،  ولكن هذا كان بالشكل وليس بالجوهر.  هو استعمل ويستعمل البطريرك ألكسي الثاني في السياسة المحلية، والبطريرك ألكسي يستعمل بوتين أيضا. ولكن الواضح أن كليهما فشل فشلا ذريعا في الاستراتيجيا. وهذا الفشل الذريع إنعكس في إنشقاق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المدوي العام الماضي عن روسيا، ومعها إنشقت بطريركية اسطنبول ويا للمفارقة، والتي تحولت إلى هيكل عظمي منذ الإحتلال العثماني، والتي اليوم أتباعها في تركيا لا يزيدون عن ال 300,000  من أصل 82 مليون تركي.  والمفارقة أن مطرانية بيروت للكنيسة الأرثوذكسية ممثلة بالمطران الياس عوده، ومغردة خارج هيكلية البطريركية الأرثوذكسية المشرقية ممثلة بالبطريرك يازجي،  كانت من الذين أيدوا بحماسة إنشقاق الكنيسة الأوكرانية عن الكنيسة الروسية،  مع أن هذا الانشقاق ليس للأرثوذوكس اللبنانيين او العرب فيه لا ناقة ولا جمل — ولا مصلحة.  وطبعا مجموعة الانشقاق هذه في أوكرانيا وشرق أوروبا كانت كلها موجهة أميركيا.   وفي لبنان المطران عوده تحول الى شيخ مشايخها…

 

بالأخلاق،  تحويل كنيسة آيا صوفيا الى مسجد هو بالتاريخ والجوهر قرار ظالم ويمثل طمسا للتاريخ والموروثات الحضارية  — ويسري بعكس الموقف التاريخي الفذ للخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي رفض أن يصلي داخل كنيسة القيامة في القدس، بعد الفتح الإسلامي لها في العام 636 ميلادي، توجسا من ان يستغل المسلمون من بعده صلاته لتحويل الكنيسة الى مسجد.  ولكن، طبعا، شتان بين عمر بن الخطاب والدوغماتي رجب أردوغان…

أردوغان، كدوغماتي،  يريد أن يستعمل قرار تحويل كنيسة آيا صوفيا الى جامع شعبويا داخل تركيا وفي العالمين العربي والإسلامي.  ولكن، ويا للمفارقة، الأميركيون والروس يريدون — كلاهما — شق العالم الإسلامي من خلال أردوغان،  وكل منهما لغاية في نفس يعقوب.  وتجدر الإشارة أن الأميركيين هم الذين جاؤوا بأردوغان للحكم في العام 2002 في سياق مخططهم لاستعمال الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط لتفتيت العالم العربي تحديدا.  والروس هم من من أنقذوا أردوغان ونظامه في 15 تموز 2016 من براثن الانقلاب العسكري الذي كاد أن يطيح به،  ولكن تمرير المخابرات الروسية للمعلومات عن الانقلاب لأردوغان ساعتين قبل حصوله ليلة 15 تموز أدت الى إنقاذ حياة أردوغان واستنقاذ نظامه ليعود بعدها، وبقوة — thanks to Putin — لتوسيع تدخلاته في طول العالم العربي وعرضه:  في سوريا والعراق وليبيا ومصر والسودان ولبنان (عكار، الضنية، طرابلس…) والصومال وجيبوتي وقطر وتونس ووو.

 

الولايات المتحدة والغرب هم الذين خلقوا المد الإسلامي، وتحديدا الإسلامي-التكفيري في الشرق الأوسط منذ سبعينيات القرن العشرين،  لتفتيت العرب بشكل رئيسي — وخاصة الأنظمة القومية العربية والتي استهدفوها كلها دون إستثناء — لصالح إسرائيل.  وهم من يستمرون بدعمها، بالتكافل مع روسيا بشكل ملتو،  خاصة في ما يتعلق بتركيا، أو أقله نتيجة تذبذب مواقف روسيا على إمتداد الشرق الأوسط وصولا الى الصراع الهندي-الصيني والهندي-الباكستاني والخليجي-الإيراني …   Machiavellism par excellence

وهذا غيض من فيض.

 

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. اهتراض بالشكل فآيا صوفيا حولت إلى مسجد منذ حوالي ستمئة سنة، يوم استراها السلطان محمد الغاتح بماله من الكنيسة البيزنطية، وفي العام ١٩٣٤ حول المسجد إلى متحف، واليوم أعيد المسجد ، وبالتالي فليس هناك تحويل وإنما عود على ما كان عليه الوضع قبل قرار أتاتورك.