التفاوض الشائك والأفخاخ المتعدِّدة

Views: 960

العميد الركن صلاح جانبين

بعدما أعلن دولة رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه برّي بتاريخ الأول من تشرين الأول من العام 2020 في مؤتمر صحافي “اتفاق الإطار” بحضور كل من: وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر، قائد الجيش العماد جوزاف عون، قائد قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان ستيفانو دل كول، وممثّلة المنسّق الخاص للأمين العام للأمم المتَّحدة في لبنان يان كوبيتش نجاة رشدي، حيث ستسلك من خلاله المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البريّة والبحرية برعاية الأمم المتَّحدة وحضور الوسيط الأميركي في أجواء إقليمية تطبيعية متدحرجة مع العدو الإسرائيلي بدءاً من دولة الإمارات العربية والبحرين، وقد سبقها كل من الأردن ومصر في الماضي القريب، وقد يلحق بهم عدد آخر من الدول العربية، فهل تؤدّي تلك المفاوضات إلى استدراج لبنان إلى مفاوضات مباشرة وبالتالي مدخلاً للتطبيع، وتوقيع اتفاق أو معاهدة مع العدو الإسرائيلي؟ وهل يؤتمن العدو الإسرائيلي في عقد أي اتفاق معه، بعد أن جُرِّب سابقاً من خلال اتفاق مدريد 1991، اتفاق أوسلو 1995، اتفاق نيسان 1996، وعدم تنفيذه القرارات الدولية بخاصة 194 تاريخ 11 كانون الأول 1948، 242 تاريخ 22 تشرين الثاني 1967، 425 تاريخ 19 آذار 1978 (القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلَّة من دون قيد ولا شرط)، 427 تاريخ 3 أيار 1978(القاضي باتمام الانسحاب)، وخرقه المتكرر للقرار 1701 لعام 2006 وانتهاكه الدائم لشرعة حقوق الإنسان؟ وهل العدو الإسرائيلي يُعطي شيئاً مما لديه، وهو الذي بُنيَت عقيدته على التوسّع والتهجير والاحتلال والتدمير والقهر والتنكيل بالشعوب العربية؟ وهل يهدف من خلال المفاوضات غير المباشرة المنوي انعقادها في الناقورة منتصف الشهر الجاري، إلى أهداف أخرى مستغلّاً الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية الصعبة في لبنان، والانقسام الحاصل حول سلاح المقاومة في ظل العقوبات الأميركية على فريق كبير من اللبنانيين؟

فهل يمكن للفريق اللبناني أن يحصر مفاوضاته مع العدو بترسيم الحدود البرية والبحرية فقط، من دون التطرّق إلى مسائل أخرى يُستدرج إليها؟

أما وقد أُعلن بتاريخ 12 تشرين الأول 2020 عن أسماء الفريق اللبناني التقني(فريق محترف لديه خلفية علمية أكاديمية غير سياسية، وخبرة ذات صلة في التفاوض والترسيم) المفاوض لترسيم الحدود الجنوبية ضمن حدود الاتفاق- الإطار، والضوابط التي يتضمَّنها برئاسة العميد الركن الطيّار بسام ياسين نائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش اللبناني، وعضوية كل من العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط، والخبير نجيب مسيحي، ما يتيح الترسيم المرتقب للحدود البحرية، تحفيز بعض الشركات للتنقيب عن النفط بخاصة في البلوكات ٨ و٩ اللبنانيّن، ما يؤثّر إيجاباً على الاقتصاد اللبناني، مستنداً إلى:

•اتفاقية الهدنة الموقّعة في العام ١٩٤٩ حيث يشكل خط الهدنة خط الحدود الدولية.

•الخط الأزرق (خط انسحاب قوات العدو الإسرائيلي العام2000) المتمثّل بالخط على الخريطة ودقة الترسيم، بالإضافة الى النقاط العديدة المتحفّظ عليها والخط الأزرق الرقمي وإشكالية بلدة الغجر وخرق العدو الإسرائيلي للقرار1701 وما خسره لبنان من مساحة مقدَّرة بحوالي 500 ألف متر مربع.

•مندرجات القرار ١٧٠١ لعام ٢٠٠٦.

•اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي تُختصر بالرمز”UNCLOS“، المبرمة عام 1982 والتي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1994، باعتبارها تدويناً لقانون البحار الدولي العرفي.(لبنان من الدول الموقِّعة على القانون المذكور، بعكس “إسرائيل” التي رفضت التوقيع).

•ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة والاتفاقية الموقّعة مع قبرص في العام 2007 وما ارتُكِب من أخطاء قُدِّرت بحوالي 860 كلم2، استغلّها العدو الإسرائيلي وقضمها عنوةً من دون أي رادع أو حسيب.

•عدم الاعتراف بالخط الذي اقترحه المبعوث الأميركي فريدريك هوف والذي سُمّي باسمه أي “خط هوف” الذي أعطى لبنان468 كلم2 وأعطى إسرائيل 392 كلم2.

• الخط اللبناني الذي اعتمد النقطة 23 كنقطة ثلاثية لجهة الجنوب، ودراسة البريطاني الخبير جون براون الذي اعتمد جنوب النقطة 23 كمرجع للترسيم، ما يحصل لبنان بموجبها على أكثر من 1300 كلم2.

•القانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

•الدعم المطلق من السلطة السياسية اللبنانية المتمثّلة برئيسي الجمهورية ومجلس النواب والحكومة مجتمعة.

فهل ستكون نتيجة المفاوضات سهلة، لا يشوبها الحذر ولا تخلو من الأفخاخ أو الضغوطات على أرض الواقع؟ ومن يتحكّم بالمفاوضات، أحد الفريقين أم الوسيط الدولي؟ وإذا كان الفريق الدولي قادراً على الضغط على الفريق اللبناني المفاوض، فهل بالمقابل لديه القدرة للضغط على الفريق الإسرائيلي؟

وهل ستكون نتيجة المفاوضات إيجابية للبنان، وبالتالي سلبية بالنسبة للعدو، وهل يقبل العدو بالنتيجة؟ وما هو دور الوسيط الدولي لحل النزاع القائم، وكيف سيكون الحال عند الفشل؟

ممّا لا شك فيه أنَّ الوساطة التي تقوم بها الأمم المتَّحدة تعتبر الطريق الأسهل والأقلّ مشقّة من الطرق الاعتيادية التي يلجأ الأطراف إليها لتسوية نزاعاتهم٬ مقارنة بالوسائل الأخرى. وممّا لاشكَّ فيه، بأنَّ حلّ المنازعات عن طريق الوساطة يعتبر من الوسائل والمظاهر الحضارية لحل النزاعات الدولية عن طريق الحوار الهادف والبنّاء، كما أنَّه يُفترض بالوسيط العدالة والمهارة والرأي السديد والحيادية، مع مراعاة مبدأ إيصال كل ذي حق حقه، وهي اختيارية عملاً باتفاقية “لاهاي” لعامي 1899 و1907 (تنظيم الوساطة واعتبارها مجرد مشورة غير إلزامية).

فمن البديهي إعطاء التفاوض أهمية كبرى واعتباره مفتاح الأبواب الموصدة للأزمات والمشاكل المعقّدة، والسبيل لإحلال الوفاق بين الأطراف. فهل التفاوض هو نتيجة للحروب والضغوط ومتمِّماً لها؟ أو أنَّ الحروب سبب ونتيجة للمفاوضات المتعثّرة بين الأفرقاء؟ أيّ منهما يجب البدء به وما شرط قيامها: التفاوض تجنباً للحروب والويلات، أو أنَّ الأزمات والحروب والنزاعات والصراعات تُخلق، حتى نتفاوض على ما نختلف عليه؟ والصغار يتقاتلون ويموتون، والكبار يتقاسمون ويربحون في لعبةٍ شطرنجية متنقّلة يُجيدون تقليب أحجارها وفقاً لأهوائهم؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *