بينَ تَحوُّلٍ وأُفول…

Views: 582

لميا أ. و. الدويهي

نتدرَّجُ في الحياة، منتقلينَ من مرحلةٍ إلى أخرى وكأنَّ الحياة ستستمرُّ إلى ما لا نهاية… وأحبابنا الأكبرُ سِنًّا، أيضًا يتدرَّجون بها وإنَّما بالنِّسبةِ إلينا، هم فقط يتقدَّمون في السن… فنحنُ مُذ وَعينا على هذه الحياة، كانوا… ومع الوقت أصبحوا كصخرةِ دعمٍ نستندُ عليها كي لا نتعثَّر، نُمسكها بإمعان كي لا نسقط، ونرفضُ فكرةَ أن يتحوَّلوا إلى ما لا يُشبههم، والبعض يفضِّلُ ألَّا يلتقيَ بهم حينها كي تبقى في ذاكرتهم الصُّورة التي يتذكَّرونهم بها، وهي في أغلب الأحيان، صورة الصَّلابة وربَّما الابتسامة الدَّائمة والأهم الحضور الذي لا يغيب. وننسى في تلك اللحظات، أنَّهم هم أيضًا مجبولون من عاطفة ومشاعر والوهن والتَّعب قد يتآكلهم من الدَّاخل وقد يحتاجون يومًا ما إلى الدَّعم والتَّفاعل الإيجابي معهم…

البعض قد لا يصلون إلى هذه المرحلة لأنَّهم قد يرحلون على غفلة، وتلقائيًّا تبقى صورتهم راسخة فينا كما نعرفها، إلى أن يمحوَها الزمن وتبدأَ تدريجيًّا بالتَّلاشي، ليس لأنَّنا قد نسينا أحبابنا الذين كانوا، وإنَّما لأنَّنا نحن أيضًا تجتاحُنا السُّنون وتبدأ بالتَّنكيل بجسدِنا الفاني…

وهناك مَن يتحوَّلون بفعل التَّعجيز ولا نعودُ نعرفهم، وغالبًا ما نُصلِّي كي يرتاحوا من إرهاق الجسدِ الذي يتآكلهم من الدَّاخل قبل الخارج… نستغربُ كيف تحوَّلوا إلى أشخاصٍ لا يُشبهون مَن كانوا سابقًا، وهي الصَّدمةُ الأولى، وأمَّا الثَّانية، فحين تنقلبُ الأدوار، فيُصبحون من حيث الحاجة والرِّعاية كالبنين لنا ونحنُ كالوالدين… وتتضاعفُ المُعاناة وتتفاقم، كلمَّا تدهورت حالهم، وحين تنسلخُ الرُّوح عن الجسد وتنطلقُ نحو خالقها، نخالُها هي لحظةُ الفراق… لا، ليست كذلك… ليس لمجرَّدِ أنَّهم كانوا لا يزالون يتنفَّسون، يأكلون ويشربون، ينامون ويستيقظون، هم معنا… هم رحلوا منذ اللحظةِ التي تحوَّلوا فيها إلى مَن لم نَعُدْ نعرف… وأمَّا جسدهم فيُذكِّرُنا فقط بمَن كانوا قبل أن يتحرَّروا من عبئِه…

أنا لا أناقش أهميَّةَ الخدمة والرِّعاية والاهتمام… وإنَّما أُسلِّطُ الضَّؤ على فكرة، تصفُ حالات مُعيّنة، قد يوافقُ عليها البعض وقد يرفضُها البعضُ الآخر: عندما نفقدُ القدرة على التَّواصلِ مع أحبَّائِنا، حينها نكون قد فقدناهم، ووحده ما عشناهُ معهم سابقًا، يُذكِّرُنا بأهميَّتهم في حياتِنا ويمنحُنا القوَّة للاستمرار بالاعتناء بهم…

بالرغم من قساوة الموقف، إلَّا أنَّ هذا التحوُّل هو ما يساعدنا على تقبُّلِ فكرةَ الموت واستيعابها… التعلُّق بهم يجعلنا نقول: ليتهم يبقون العمر كلَّه معنا وحَولنا، لكنَّا خدمناهم برمش العَين…

أنا أقدِّرُ هذه العاطفة، أفهمُها وأحترمُها، وإنَّما يجبُ دومًا خلعُ ثوبِ الإنانيَّة والتفكيرُ قليلًا بكرامةِ هؤلاء وبعبء الجسد الذي ثقُلَ عليهم مع الوقت، ولا ننسى أنَّ الحبَّ يُحرّر ولو كان الثَّمنُ باهظًا، ألا وهو فقدانُ أحبَّاءٍ لنا…

فلا خسارة إلَّا لمَن لم يعرف أن يستفيدَ من وجودهم ليحيا الحبَّ بعُمقِهِ معهم، حين كانوا ما يزالون بيننا…

 ٩/ ٦/ ٢٠٢٠

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *