فلورنسا

Views: 47

د. جان توما

 إنّ الجواب عن السؤال عن معنى الجسر وهويّته قائم في حرف السين الذي يمتدّ بين حرفي الجيم والراء، وهما يفيدان معنى الجرّ، أي جرّ هذه الضفّة إلى تلك الضفّة لتصبحا واحدًا بامتداد حرف السين جسرًا وطيدا يعبره الناس خفافًا.

كما أنّ الجسر له حضور عمراني وإنساني إذ يجمع بين ذاكرتين وفراغين وعالمين، بين ما كان وما هو الآن.

تتحوّل الجسور في مدن العالم كلّها إلى مساحة سياحيّة بنقوشها وقناطرها واستخداماتها كما الجسر القديم ( ‪Ponte Vecchio) في فلورنسا، عاصمة إقليم توسكانا في ايطاليا، الذي يرجع عمره إلى مئات السنين، ويقع على نهر أرتو، وقد أعيد تجديده عام 1345م.

لم بخترعوا شيئًا جديدًا، ولكن  أطلقوا لمخيلتهم الحريّة وابتكروا، فكان للجسر ثلاث قناطر مفتوحة في الوسط،  ومحلات لبائعي الذهب على رفوف خشبية فنّية.كما قاموا بنشر شبكة أضواء ليليّة تتجانس مع ماء النهر لترسم لوحة طبيعية ما بين ماء ونور تجذب السوّاح وتزيد فرص العمل في الساحات المجاورة في  مطاعم ومحلات أرتيزانا.

أما عندنا في طرابلس مثلًا، فلا هويّات لجسور ولا تعريف بها. راح جسر الترامواي العثمانيّ الذي كان يصل ضفتيّ النهر بين شارع الزاهرية ومدخل شارع سوريا، وهو الجسر التاريخي الثالث الذي كان يعبر فوق مجرى نهر أبي علي،  كما راح  جسرا السويقة واللحامين وغيرهما.

حين تقف أو تعبر ‪Ponte Vecchio

‪تتساءل كيف جرّ أجدادنا وآباؤنا، في طرابلس، الضفتين إلى بعضهما البعض؟ وكيف تسابقنا نحن، باسم الحضارة العمرانيّة، إلى إلغاء هويّات الأزقة القديمة والجسور التاريخيّة لتصير يتيمة في غياب الأيدي التي بنتها حجرًا حجرًا وورّقت،ما بين حجارتها، بعرق الجبين ودمع العين؟

(Diastat)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *