ذاكرة الوفاء (قراءة في كتاب “ثائر يزرع الأمل” لكلود أبو شقرا”)
د. جوزف الجميّل
ثائر يزرع الأمل..
والثورة لحنها الجراح، عمر سراجه الصباح، وإطلالة الجنون.
بين كلود أبو شقرا وجورج شامي أكثر من لقاء، فجر عطره المدى، وارتعاشات الظنون.
حوارات مدادها الوفاء، خمرتها تشبه النور التاج، على هامات السنين.
متى يورق اللحن، وتزهر الأنغام؟
متى يفيض البوح عشقا، في يراع تجذر في آلاء الحنين؟
هو العمر يخفق ذكريات وآيات.
عمر أديب، صحافي، ناسك لا يستكين.
بالله، يا سيدة القلم، كيف يستحيل الحب جسرا من الألم، والنضال المثخن بالأنين؟
كيف يصبح الراهب القدموسي ثائرا سيفه الحبر والحب والسنابل؟
كيف تنفجر في بوح عينيه القنابل؟
حياة جورج شامي سلسلة من نضالات الحرف والحرية.
حياته قبلة على ثغر البشرية.
وآيات فرح ليس فيه سكون.
سيدتي، نجمة الصباح، في كتابك صورة عن سيد الكفاح، ورحلة في عالم بالعطاء مسكون.
متى يزهر الأمل؟
ويكتمل العمر المتخم بالحب، حب مناضل واقعي يبحث عن وطن أفلاطوني يحاكي جمهورية أفلاطون الفاضلة. يؤرقه الوطن الفاقد أبعاده والجاذبية.
في قصتيه أبعاد بلا وطن، ووطن بلا جاذبية استشراف لواقعنا المعاصر. كأنها كتبت لما يحصل اليوم من تردٍّ سياسيّ واجتماعيّ.
وفي حياته وهو الخارج من مرارة الفقر صورة طبق الأصل لواقع الإنسان اللبناني الذي فقد مقوّمات كينونته الوطنيّة.
بين الكاتبة والأديب وحدة حال، وائتلاف في المصير. تجمع بينهما مهنة المتاعب. يؤرق ضميرهما الإنسان. يتلوان معا مزامير الألم. حواراتها معه انعكاس الأنا في الآخر، والذات في الموضوع.
وحين اخترقت الباحثة أبو شقرا أدب الشامي، ظهرت لنا عناوين مؤلفاته تشي بروح ثائرة على الموت والحياة في آن. وإذا الذكريات التي تضيء عليها الكاتبة”ذكريات عارية” عري الحقيقة. (Xanax) ذكريات تكشف كيف استطاع الشامي الانعتاق من الضلال، في رحاب المرأة الملونة بألف لون، كذاته التائهة بحثا عن يوتوبيا جديدة تكسر عنف الحياة، وتكشف هزالة الموت.
كلود أبو شقرا، أيتها العمق المتجذر في الذات، كتابك هو الثورة الحقيقية على تهميش الكبار. ولنا به الأمل المعتّق الخارج من سوداويّة الواقع إلى افتراضيّة الكينونة. طوبى لك وللكاتب الكبير تضيئان في نفوسنا مشاعل لا تطفئها رياح هزيمة الحقد، والموت، والتشاؤم المجنون، لأنك ذاكرة الثقافة، وبيدر عطاء لا ينضب، في ذاكرة العصور.
