ريشة الذكريات

Views: 1064

د. جان توما

بعد غربة، ماذا يمكن أن ترسم ريشة الذكريات؟ ماذا يقفز إلى ذهن الريشة لتنسج شكل غلالة الألوان على جسد قماش اللوحة؟ هل تأتي المشاعر الدفينة لتنزل سعيدة رسمًا وتعبيرًا؟ كيف تترجم النفس، بشوقها وحنينها، هذا العطر الباقي في المسام وبقايا  الذاكرة التَعِبة؟

من باريس تأتي لوحة حاملة ملامح ذاك الزّمن العتيق، لحيّ بيت الأجداد في كفرعقا- الكورة، وهي ضيعة شجر الزّيتون والعنب والتين. هناك تلك الحجارة التي قامت من أجل أحبّة لا نعرف أين أصبحت وجوههم؟ أين ارتحلت؟ هل تغيّرت ملامحها؟

أنت تفرح برونق باريس وشوارعها، وساحاتها، وجمالات أبنيتها، ولكن يبقى حبّك لتلك الياسمينة وشجرة الكينا والجلّ القريب، والقرميد العتيق، وليالي السهر، ودروب الضيعة التي تقودك إلى عين الماء الطيّب وأحاديث السمر.

هكذا بضربة ريشة ينسج ذلك المشهد المفقود في القلب والنفس، وأنت في غربة خلف البحار. لكن ما هو الأقسى أن يصبح هذا المشهد من مشتهيات المقيمين هنا. لقد فَقَدَ الرّيف عندنا بساطته وعفويته، والسير في الأماسي تحت ضوء القمر، والعبور من كرم إلى كرم.

لقد غزتِ التكنولوجيا البيوت القديمة الموروثة، وكذلك فعلت الأقنية الفضائيّة الملوّنة، ولم نعد نلاحق طيران الفراشات، وكرج الحجل، ولملمة الضباب من على أرصفة دروب الوادي.

تعيد اللوحة رسم الأشياءْ من جديد، لكأنّ السواقي عادت للغناءْ ما بين الأرض والسماءْ.

 

 

(*) اللوحة من رسم السيدة أميمة إبراهيم لبيت عائلة السبع مقابل بيت إبراهيم في كفرعقا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *