في التّجريب الصّحفيّ (3)

Views: 851

محمّد خريّف*

كنت أتوهّم أن علاقتي بمتابعة الطيش الصحفي قد انتهت بنجاحي  في شهادة الباكالوريا ،لكن هيهات فالولع بدودة الخربشة على قراطيس طائشة في هذه الجريدة وتلك من “الإعلان” إلى “المسيرة” إلى “القنفود” ظلت تنغص عليّ لحظات ركوني إلى الدراسة الثانوية فالجامعية ، ولم يبق في ذهني إلا أشباح عناوين لمقالات  لها انعكاسات مختلفة ومنها “ألو إني أحبك” وهي ورقة مقتضبة في النقد الاجتماعي، لم ترق لأولي الآمر في جهة نابل إلى جانب مقال “الريف والتنمية” قد نشر في الصباح وقد تم الرد عليه في جريدة العمل بصفحة كاملة.

كما بقي في ذهني ما يثير إعجابي بالصياد اللبنانية وقد نشرت لي ” قطع اليدين والإنسانية” وهو مقال قصير اعتبرت نشره خطوة جريئة في ذلك الوقت نحو الخروج بالصحافة العربية من أساليب المجاملة إلى النقد، كنت أقرأ تعليقات سعيد فريحة رئيس تحرير المجلة وما تحمله جعبته في كل عدد أقتنيه من مكتبة في مدينة نابل تتوفر فيها عناوين من الصحف والمجلات مهمة ، كما كنت أقتني منها جريدة “لوموند الفرنسية” وقد أفدت من صفحتها الاقتصادية في الاستعداد لامتحان البكالوريا، هذا و كنت أقرأ بشغف تحقيقات الصياد ذات البعد العالمي مكبرا فيها شعارها الداعي إلى عدم قبول الهدايا من أية جهة كانت- إن لم تخني الذاكرة- هكذا كانت تروقني مثل هذه الشعارات حالما بالاقتداء بها على أمل أن أكون مراسلا ثقافيا للمجلة بتونس.

لكن مع الاسف قد نشر الطلب بالمجلة دون جواب ولا أعرف أسبابه  إلى حدّ الآن ،دون أن أخفي علوقي بشعارات المواقف النضالية للصحفيين ورموز فكر حركما تهيأ لي في ذلك الوقت وقد استأنست ببوادر الفكر الفلسفي النقدي بفضل دروس الأستاذ محمّد الكراي في معهد “لسور” بنهج لينين وأنا أستعد لاجتياز امتحان البكالوريا الفرنسية شعبة الفلسفة في دورتين(1970-1971)، وغالبا ما كنت أبدي بعضا من حماسي الذي يغريني بل يوهمني أني بالقلم الضعيف أستطيع أن أهدّ الجبال أو أغيّر بالكلمة من طباع الناس و الصحافيين فنرتاح من كابوس التملّق والرياء والارتزاق، راغبا في تجاوز الوضع المزري للإعلام في ذلك الوقت كغيري من الطوبا ئيين ممن كنت أعتبرهم قدوة لي ولغيري من الشباب ومن بين هؤلاء هناك من ضحى وحرم نفسه من لذة المآدب في النزل السياحية حيث المراقص الليلية والنهارية  في سبيل الكلمة الوفية بل “الخائنة بوفائها”.

 

وكنت ممن استهواهم التنطع وكان  له من الأحلام بطقوس عوالم الصحافة السحرية ما يشبه “منامة العتا رس في أمثالنا التونسية، فكان أن قلب ظهر المجن وتحول الوعد إلى وعيد وأعطي الضوء الأخضر لسدنة النظام في المدن والقرى والأرياف فكان أن قدّم  في شأني بدءا من سنة 1995 قضية في الثلب بعد أن نشرت لقطة بعنوان “دفتر خانة محلي” بجريدة الصدى الأسبوعية وأنا لاأزال في الرقدة الحلوة مغترا بزيف شعارات “العهد الجديد” ومنها “لا ظلم بعد اليوم”و”لا رقابة على الصحافة وحرية التعبير” ؟وقد تنطلي حيل البروباقندا على أمثالي من السذج ، ولا أحد من الحقوقيين والمدافعين عن حرية التعبيرسأل عني أوتهمه قضيتي ،وقد صنّفت قضية من قضايا “الحق العام” فلا تهم أحدا غيري أنا المتهم في المقام الأول و القائم بها وان كان يمثل مؤسسة عمومية  قد يزعجه أن لا أقول مثلا كلمة خير في” السابع من نوفمبر” ، لكن هيهات، و من حسن الصدف أني نجوت من السجن المادي دون السجن المعنوي بحكم صادر في القضية “بعدم سماع الدعوى” لبطلان الإجراءات القانونية بعد سنوات من عناء التقاضي والتردد على محكمة قرنبالية أثناء التحقيق وبعده ، لكن الحكم بالبراءة لم يضمد جراج تهديم بيتي الساحلي ذات ثلاثاء من يوم 24 أكتوبر 1995 على الساعة الواحدة بعد الزوال بالقوة العامة وفي يوم مشهود أليم فكانت الضربة القاضية وكدت أنقطع أثرها نهائيا عن هذه المهنة مهنة صحافي من غير كوارط ه “يرفس في الظلماء أوفي حلاب مقعور” مايقول.. ،

نعم هي مهنته وليست مهنة  ،كرفي، لا يعترف بها أحد  فلاالدولة تحميها ولا نقابة الصحافيين تدافع عنها ولاحتي صاحب الجريدة أو رئيس التحريرفيها ( وهو في برجه العاجي لايقبل هذا الرهط  من المهمشين أمثالي ” همه الوحيد ان يضمن ود السلطة ويخرج بالجريدة من القضية  كما تسل الشعرة من العجين وفعلا طرح اسم المتهم الثانيممثل الجريدة وأريح من  التتبعات العدلية ،فظللت  وحدي مطالبا و لاأحد يدافع عني  آنذاك :فأهل القرية لعلهم ضحكوا بل قل لعلهم ابتسموا مواسين، و لعلهم لم يشمتوا فيّ وأنا من يمنّي نفسه ويعزيها على أنه في داخله يضمر الدفاع عنهم، فمعهم الحق  هم لم يطلبوا مني في الواقع أن يكتب عنهم، بعضهم فقط يأتيني متبرّما من الظلم والاستبداد، ناقما عليه في السر دون العلن  غيرأنه لا يتحمل تبعات شكواه وتبرمه فينقلب مناصرا يشطج للقرد في حضرته والله ينصر من صبح ولاتظفر منهم حتى بشهادة تبرئة و التذمر تحت الحيط مايجيب بلاء وكيف المواجهة ومن يقدرعلى أن يقول للصيد فمك أبخر ؟ يطبلون ويزكرون  ، والراكب على فركة  يقولون له “مبروك الحصان” ،هم في مثل قضيتي بل محاكمتي،يظلون فقط يتفرجون كمن يتفرج في مباراة لاتكافؤ فيها بين الرابح والخاسر ، و اللي يقصلو الحاكم بعبوصه لايسمى عكروتا ،والسلطة تقهر القاهرين فما بالك بجرد مراسل صحفي نكرة يخربش ويبول قي الرملة. وهل يكف “مرامدي” مثله بعد هذه الضربة القاضية عن ممارسة عادة الطيش الصحفي فلا هي سرية ولا علنية ؟ ؟

(يتبع …)

***

(*) كاتب من تونس

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *