جذور الهدر والفساد: من الدولة العثمانية، إلى دولة لبنان الكبير في ذكرى مئويته

Views: 516

ماجد الدرويش

 

قراءةٌ في كتاب: (واقعة السلطان عبد العزيز)، تأليف الأستاذ أحمد صائب بك، ترجمة الأستاذ محمد توفيق جانا، والذي طبعته في مصر عام ١٩٠١م مطبعة (هندية).

 

هو كتاب يتكلم عن الآثار التؤ ترتبت على المشكلة التي حصلت بين السلطان محمود والد السلطان عبد العزيز خان الأول (١٨٣٠ – ١٨٧٦)،  وبين جيش الإنكشارية وذلك عام ١٨٢٦م، والتي انتهت بحرب دموية تم القضاء فيها على (الإنكشارية)،  والتي عرفت بالوقعة الخيرية . وبالتالي خسرت الدولة العثمانية يومها غطاءها العسكري، فانكشفت للطامعين بميراثها. ثم ما أتبعها من أحداث زمن سلطنة عبد العزيز الاول التي انتهت بخلعه ثم موته في ظروف غامضة.

 تم تأليف الكتاب ونشره كما قلنا سنة ١٩٠١ زمن السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.

قدم المؤلف (أحمد صائب بك) للكتاب بتمهيد عن أهم التطورات في الدولة العثمانية، ولكننا عندما نقرأ هذه المقدمة ندرك مدى الفساد، ومدى البطر ، الذي استحكم في الدولة حتى استحال استئصاله.

فمن الرِّشى التي تستهلك أموال المشاريع فلا تتم.

إلى وزراء جهلة يحرصون على منافعهم الضيقة ولو أدى ذلك إلى إفلاس مؤسسات الدولة.

إلى تمكين للأجانب في مفاصل الاقتصاد الوطني.

إلى إسناد المهمات الخطيرة في الدولة إلى أناس لا معرفة لهم ولا دراية.

إلى اهتمام السلاطين ببناء القصور العظيمة من أموال الخزينة الخاوية أصلا، والتي تستدين من مصارف أوروبا، فقط (ليتنعم بها جلالة السلطان ومقربوه).

هذا الواقع المؤلم ورثه السلطان عبد الحميد، وعمل جهده لتلافي الإنهيار أو الحد من آثاره قدر الإمكان.

ولكن الخرق كان قد اتسع على الراقع، وكانت سنة الله تعالى في المترفين هي الصدق الواقع.

 

نموذج عن الهدر والفساد:

في ص (٥٥ – ٥٦) يتكلم المؤلف (أحمد صائب بك) عن الإصلاحات التي قام بها مدحت باشا (١٨٢٢ – ١٨٨٣)، والتي طاولت دوائر عدة، منها العدلية، ولكنه يبين أن هذا التطوير لم تظهر آثاره على ما كان يتوقع بسبب عدم وجود «رجال أَكْفاءَ عندنا لإدارة هذه الأعمال العظيمة بنفسنا»، الأمر الذي أوجب «إحالة هذه الأمور بشرائط معلومة إلى الأجانب» في محاولة للاستفادة من ثروات البلاد، «ولكن لم يحصل من تسليمها للأجانب سوى الأضرار البليغة لنا».

يقول رحمه الله: «فكأني بالحكومة العثمانية وقد رأت بأم عينها ما نتج من المضرات العظيمة بسبب إعطاء إمتيازات الخطوط الحديدية للأجانب».

وفي محاولة لاستدراك الأمر شرعت الحكومة «في مد خط الأناطول – الأناضول – على حسابها، ولكن أنتج إنشاء هذا الخط من الأضرار المالية ما قُدِّرَ بأضعاف الخسائر التي نشأت عن مد الخطوط بواسطة الأجانب، فبينما كانت النية موجهة إلى مد الخط داخل الأناطول، واقتُرِضَ لهذا الغرض الملايين من الجنيهات من بنوكة أوروبا، لم يتجاوز ثغر أزميد – أزمير -.

وعند الحساب تبين أن ما صرف على كل كيلومتر واحد يعادل ما صرف على خمسين كيلومترا مما مدته الأجانب. ولولا تعبئة أكياس الخائنين – يقصد بذلك الرشوات – لأمكن على قول العارفين مد الخط إلى البصرة بهذه المبالغ الجسيمة».

نقرأ هذه الكلمات التي وصفت حال الالتزامات للمشاريع في القرن التاسع عشر، ثم نرجع النظر إلى المشاريع والتزاماتها في دولة لبنان الكبير في القرن والواحد والعشرين، فندرك ببساطة أننا ما زلنا نعيش في عصر الالتزامات العثماني القديم، وإنما بوجوه وتركيبات عائلية حديثة لُزِّمَت الحكم في لبنان منذ تأسيسه عام ١٩٢٠ ، ولا تزال تعمل كما كان أسلافها في الدولة العثمانية يعملون.

وقد تجاوز الأتراك اليوم تلك العقد القديمة من خلال محاربة الفساد، ومنع السمسرات والرشى ، التي كان يقوم بها الطاقم السياسي على حساب مالية الدولة، وبات عندهم اقتصاد عالمي قوي، ولا يزال لبنان يئن تحت وطأة الالتزامات التي تمتص مالية الدولة وتمعن في إفلاسها وتدميرها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *