“الكلمة العربية في المهجر” لألفرد خوري…وقفة حياة وتجديد بعيد عن التقليد والتكرار

Views: 16

سليمان بختي

كتاب “الكلمة العربية في المهجر” للأستاذ ألفرد خوري (1914-1998). والحائز على جائزة “جمعية أصدقاء الكتاب” عام 1960. هذا الكتاب الذي عبّر بقوة وعمق واصالة عن الدور الأساسي الذي لعبه أدباء المهجر في النهضة الأدبية في لبنان والعالم العربي مطلع القرن العشرين. (https://bolivarescapes.com) وهذه النهضة لم تقتصر على الجانب الأدبي والفكري بل امتدت إلى النهضة الشعرية. وجعلت بالتالي أدباء وشعراء المهجر رموزاً للتجديد الحقيقي والفعال في اللغة والشعر والنقد والمسرح والقصة، وفتحوا الآفاق للثقافة العربية أن تكسر قيود التقليد وتنطلق في أبعاد الحداثة.

يقول ألفرد خوري (مواليد قلحات، الكورة وابن شقيقة الأديب فؤاد سليمان، واستاذ الأدب العربي في الآي سي آنذاك) في مقدمة كتابه إن دراسته تحمل البعدين الذاتي والبعد الموضوعي. ويوضح “لأنني اندغمت في الأدب المهجري اندغاماً كلياً”. أما موضوعية الدراسة فتأتي “من الروية والتمرّس في تدريس الأدب والتقييم والتعليل والمقاربة”.

 

ويتوقف خوري عند حيوية الكلمة العربية ويربطها بتاريخ الأدب العربي كاشفاً عن مدى ليونتها وقابليتها للتعبير. ويعتني بالبنية المكوّنة لأدب المهجر لجهة الرشاقة التعبيرية والحساسية الفنية دون أن يهمل الجانب المعنوي القائم على الأشواق والمعاناة والحنين. ولكنه يؤكد أن في الأدب المهجري وقفة حياة جديدة لذلك هو أدب حي. ومن خلال دراسة القصائد والقصص والنصوص المسرحية والمقالة يضع يده على نزعة التجديد الحقيقية في هذا الأدب. التجديد هي كلمة السر والمفتاح في أدب المهجر. وبحسب فصول الكتاب فهناك فصل حول “الوجد في لبنان” ومن خلال نماذج وكتابات من جبران ونعيمه ورشيد أيوب وإيليا أبو ماضي والشاعر القروي. وفصل آخر يدرس فيه شعر جبران وقصصه ومقالاته مركزاً على ما أسماه “أزمة الإنسان في المقالة الجبرانية”.

وثمة فصل يتناول فيه أدب ميخائيل نعيمة مركزاً على كتابه “الغربال” ودور “الغربال” وتأثيره في مفاهيم النقد والأدب وفي كتابات المجددين في العالم العربي.

ولكن لماذا ركّز ألفرد خوري على أدب جبران ونعيمه؟

يجيب: “لأنهما مثّلا الوثبة التي تحتاجها الأدب”.

برأي ألفرد خوري إن الكلمة المهجرية كانت “أفقاً جديداً للأدب العربي بعيداً عن التقليد والتكرار. وإن نزعة المهجريين إلى التجدد هي نزعة صادقة تخفق مع قلب الحياة، وانها خطوة نحو الحرية والانعتاق. وانه مع الرابطة القلمية أخذت الكلمة “مسرباً جديداً لا عهد للعربية فيه”. وصار المضمون والشكل كمثل صرخات مدوية، وصار الأدب رسالة تحمل السلام والمحبة واقلام تزحزح العتمة.

ولكن السؤال لماذا قدر أدباء المهجر على اجتراح كل ذلك؟ لأنهم “أصغوا إلى أعماقهم وأحسوا دبيب الحياة في ذواتهم… انها المعاناة الإنسانية الحميمة التي تنبثق أدباً وفناً”.

 

ولا يخفي خوري سبباً آخر لنجاح الكلمة العربية في المهجر وهو “التفاعل مع الحضارة الغربية دون أن تمتصّهم هذه الحضارة فجاء أدبهم أدباً صحيحاً في ظلال جديدة ومتفاعلاً مع الأدب الغربي ومطبوعاً في كيانهم الشرقي”.

تدفعنا أهمية هذا الكتاب إلى التساؤل لماذا لم يكتب ألفرد خوري سواه؟ ولماذا الكتاب مفقود وغير متوفر في المكتبات؟ علماً أن الكتاب هو أطروحته في كلية الآداب الشرقية في الجامعة اليسوعية. ويروي الدكتور محمود شريح في كتابه “الفردوس المفقود” (2018) انه درس الأدب العربي على يده في الآي سي وكان كلما دخل إلى الصف كتب على اللوح “إن لغة الشعر لغة جديدة في صلب اللغة القديمة نفسها”. ويذكر انه كتب دراسة عن زهير بن أبي سلمى وأخرى عن إيليا أبو ماضي وشارك في تأليف مناهج القراءة والأدب مع جبران مسعود ومحمد علي موسى وموسى سليمان. وإنه مارس التعليم في مدارس بشمزين وبسكنتا. وإنه كان معتزاً بقوميته وبخاله الأديب فؤاد سليمان، وكان أحبّ الشعراء إلى قلبه المتنبي. 

كان ألفرد خوري أديباً مترسلاً من الطراز الأول، يعبق أسلوبه بحداثة ضاربة في التراث من حيث عبارته المطواعة والآخذة من غورها القاموسي في آن، فيما طوح مضمونها في آفاق الروح.

وأخيراً، بعد مرور 21 سنة على غياب هذا الباحث الكبير، هل من يهتم بمؤلفاته ويعيدها إلى الضوء فلا تضيع اصالة الأعمال المتفردة في زيف الأعمال المتهافتة.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *