زمن الاختصار والحصار

Views: 759

د. جان توما

تخرج من بيتك، زمن الحجر،  إلى المدينة فتجد نفسك غريبًا. تلك المدينة التي كانت تستيقظ بتؤدة صارت تقوم مسرعة. تغسل وجهها. ترتدي ثيابًا لم تعد تهتم بتناسق ألوانها. تسرع في إنهاء يومها وتعود إلى الحجر برضى اعتادت عليه بعد قسر وإرغام.

كيف أصيبت الدنيا بالدوار؟ من كان يفكر أن العالم يمرض أو يصاب بداء يشلّه؟ يقول المثل: البحر يلفظ ما يرميه الإنسان فيه، لكن الإنسان أفسد الماء المالح، فدفن الشواطىء، ورفع جبال النفايات الّتي تسمّم السّاحل، وتضرّ البيئة البحريّة بنواتجها، وقل ذلك على ما فعلته يداه بالجبال والهضاب والسهول والمراعي.

من دوّخ الطبيعة وأطلق الفيروسات الفتّاكة؟ من جعل شوارع المدن مساحات لتجوال إنسانيّ  مقنّع؟ لا سلام، لا كلام عن قُرب، لا ابتسامة، بل رفّة رمش في غياب غمّيزات جميلة.

صارت العيون فناجين قهوة للتبصير لتعرف الإشارات، وبوصلة الحديث. راح الزمن الذي كان فيه محدّثك يمسك أطراف سترتك، أو يجمع لك زر ّ قميصك مع عروته، أثناء الحديث، أو يمسك زندك، ويربّت على كتفك موافقة أو ثناء.

إنًه زمن الاختصار والحصار. سماته اللقاء عن بُعد، واقعيًّا أو افتراضيًّا. إنّه زمن الإشارات والرموز، وزمن الحجر والضمور، وغياب اللقاءات والحضور. تأتي أزمنة عجاف ويليها أزمنة من الفرح والسرور.

عسى أن لا تتاخّر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *