في التّجريب الصّحفيّ(9)

Views: 400

*محمّد خريّف

قبل المرور بتجربة الكتابة الصحفيةبالصّفحة الثقافية لجريدة “الأنواراللّبنانية” وهي واحدة من بنات دار الصياد ،لا يمكن الغفلة عن فترات من التجريب الصحفي الثقافي مع الصباح الأدبي وقد أشرف عليه الراحل “أحمد عامر”حيث تمكنت من خلال ركن وامتداد من نشر مقالات نقدبة ضمها كتابي ” في النثر والنثرية” الصادر في دمشق عن دار “محاكاة” في طبعته الثانية عام 2012.

الصفحة الثقافية لجريدة “الأنوار” كان لها دور مهم في نشر مقالات لي تهمّ السّيميائية والسّيميائية العربيّة(ضمها كتابي في ” في السّيميائية العربية-دار نينوى2017) رغم ما قد تتسببه للمشرف عليها الأستاذ ” جورج طرابلسي” من إزعاج وذلكمن خلال التعامل الصريح معه على حقائق لم تكن لتخطر ببالي ولها علاقة بالرقابة الصحفية على الصحافة اللبنانية من قبل من يموّلها أو يساعدها على الخروج من أزمتها المالية وكان للصفحة أن رفضت نشر مقال لي حول ” مشاغل السّيميائية” بدعوى أن فيه من الكلمات “التّابو” من قبيل “الحب” و”النّكاح” فما كان مني أن نشرتالنص كاملا في الملحق الثقافي”منارات” الصادر آنذاك عن جريدة “الشعب” التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل في حين نشر جورج طرابلسي المقال في موقع “ألف لام” الاليكتروني .

الاستاذ جورج طرابلسي

 

 

هذه التجربة القصيرة مع “الأنوار” خلخلت عندي صارم الاعتقاد في حرية الصحافة في بلاد الصحافة وزادني الحوار الخاص في شأن مهنة المتاعب مع الأستاذ “جورج” شعورا بما قوّض عندي دواعي عدم الاطمئنان إلى مسلمات ومصادرات طالما راودتني وأنالا أزال مجرّبا مبتدئا ف غالبا ماكنت أحمل مسؤولية النشر بالصحف والمجلات من عدمه لمن هم في الواجهة الصحفيّة دون الإلمام أو الوعي بدور من هم في الخفاء و لعل لجورج طرابلسيمن الخبرة والتجربة الكافية ما يرشحه للكتابة عن ميدانه الصحفيّ وان شرفني حضرته بشذراتحول مهنة المتاعب تضمنتها رسائله الأليكترونية ومنها رأيه في مقطع سردي كنت أرسلته إليه فقال فيه :”قراءتي الأولى خرجت بانطباع أنه مخصص للقاريْ الغربي..بخاصة الأوروبي، وتحديدا الفرنسي، أكثر منه للقارئ العربي” تعجبني صراحة الأستاذ جورج طرابلسي تواضعه وصبره على تحمل عناء أسئلتي في أو قات حرجة وسرعان ما يجيبك عن طريق أسئلته الإنكارية ما يثير الكثير من القضايا المتعلقة بحرّيّة الصّحافة وعلاقتها بالإعلان:” أود أن أطرح بدوري عليكم جملة من الأسئلة ، قبل أن أجيب على أسئلتكم( ونكتفي ببعض الأسئلة ذات المنحى العام لا الخاص) ومنها: هل تعلم كيف تلقيت من مفكر تونسي سلسلة أسئلة حول المثل العليا وحرية الصحافة ؟” وهل تعلم أني بعد مسيرة عمرها 50 عاما ، ليس لي في فمي إلا الماء ؟” وهل تعلم كيف يجيب على أسئلتك يا صديقي من كان في فمه يم منماء العين؟؟ ؟”

أما عن علاقة الصحافة بالتمويل والإشهار عن طريق الإعلانات فيقول : ” فلنتحدث عن الإعلان على سبيل المثال :” إذا خصصت لك شركة بيبسي ميزانية إعلانية سنوية هل يمكنك أن تكتب في الصحيفة عن مضار هذا المشروب الغازي؟ ونحن هنا نتحدث عن مجرد إعلان… فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالعلاقات بين الدول والصحف” أنا أؤيد وجهة نظرك مئة في المئة وأعدكإذا وجدت لي ممولا يؤمن بالحرية… أن أصدر أول صحيفة حرة في العالم” أختم مع حضرتك اليوم بجملة واحدة هناك صحافيون أحرار في كل أنحاء العالم… ولكن ليست هناك صحافة حرة” كما يقول جورج عن تجربة الأنا مع المعاناة:

لا انأ لم أجرب المعاناة… فالمعاناة لا تجرب نفسها” وكم هي قاسية هذه المعاناة على صحفيّ لا يقدر حتى على الكلام عن ذاته بحريّة واستقلالية :” أجيب على أسئلتك العامة من خلال خبرتي في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة ، لكن عن الأمور الخاصّة تعني إقالتي من عملي… وليس هناك من بديل في الوقت الراهن” والطريف في تجربتي الصحفية مع الأستاذ جورج طرابلسي أنه يردّ على أسئلتي ولا يلوذ بالصت بل في صراحة يشير إلى ضرورة توفر أركان جوازات النشر وموانعه في “الأنوار” دون لف ولا دوران ،وتلكعندي خصلة لهنادرة،والأنوار عنده جريدة للقاريء العادي لا القارئ الأكاديميّ ، وعاش من عرف قدره فاحترم نفسه :” والأستاذ جورج طرابلسي يكتب في رسالة أليكترونية موجهة إلي:” يا أستاذ نحن نحترم ونحترم أسلوبك ونقدره… ونحن نسعى لنحظى بكتابات أمثالكم من الكبار… ولكننا نطمح أن نختار من مائدتكم الزاخرة بالأطايب الدسمة، بوجبة سهلة الهضم بالنسبة إلى القارئ اليومي… وهو غير القارئ الخاصّ بالمجلات الأكاديميّة”.

هكذا تنقشع بعض من غيوم الأوهام وقد عششت سنوات في أوكار الذهن الافتراضي فأعترف بفشلي في التجريب الصحفي العادي وأعرف أني أضرب على حديد بارد فلا أنا صحفيّ ولا أنا مبدع ولا أنا أكاديميّ ؟؟؟ : أنا لاشيء من لاشيء؟؟؟. وتتوقف “الأنوار عن الصدور ولا نحبّ لها ولدار “الصياد” الانقراض والانهيار ولكنني لا أتوقف عن طيش عناد التجريب الصحفي باللغتين العربية والفرنسية وقد لا أيأس مع غيري من الضائعين التائهينفي سراديب أوهام الصحافة الحرّة و لا ندري كيف للصحفيّ الحرّ أن يكون أو لا يكون ؟؟ ولعل أمثاله في أنحاء العالم غير مفقودين كما يشير إلى ذلك الأستاذ جورج طرابلسي، وقد نكون بهذا الطرح متفائلين بأن نرشح أنفسنا بتواضع المخضرمين للخوض مع غيرنا من المغامرين غمار الإبحار في متاهات التجريب الصحفي الاليكترونيّ فنخلط أنفسنا كما يقول كبارالحومة بالنخالة فيُفَرْفِشُنَا الدجاج الاصطناعي وهل نسلم وإياكم من داء الفتنة والتّفتين؟ وقد لا نسلم من مخاطر الانزلاق المتاح في برك الإسهال والتّسيّب والمدح والهجاء وهتك الأعراض، وإذا بالصحافة الاليكترونية سيدة الابهار تنبت أعشابها على شاشات العمارات والأكواخ فيولع بها حدّ الجنون الصغير والكبير،والعجوز والفطيم فالمرأة والرجل والعارف والجاهل فالأمي والمتعلم ،ولكل منا صحافته الحرة يديرها من بيته بلمسة فأرينساب ولايرتاب من قط يحضر أويغيب يصيرريشة تخط من جفافهاحرفا وصورة وصوتا

( يتبع..)

***

(*) كاتب من تونس

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *