قصيدة جورج شكّور في “مارِدَ العَصْر” سعيد عقل

Views: 25

*قصيدة شاعر الجماليا جورج شكّور “يا مارِدَ العَصْر” في المهرجان الختامي الذي أحيته جامعة سيدة اللويزة، في قصر الأونسكو-بيروت، سنة 2012، لمناسبة مئوية ولادة الشاعر سعيد عقل:

 

 

يا دَهْرُ، مَهْلَكَ، هذا العُرْسُ مُزْدَهِرُ

بالشِّعر يُكْبِرُ مِ الأَعلامِ مَنْ كُبُروا

والعَرْشُ عالٍ، عَلاَهُ مَجْدُ أُمَّتِهِ

بالعِزِّ مُؤْتَزِرًا، بالتَّاج يَعْتَمِرُ

سعيدُ عَقْلٍ، وقُلْ: لُبنانُ في رَجُلٍ

تَبارَكَ العَقْلُ، تيَّاهًا به الكِبَرُ

الخُلْدُ جُسِّدَ تِمْثالاً لِهالَتِهِ

فَعادَ أَخْلَدَ، والتِّمثالُ يَفْتَخِرُ!

   *

مَنْ لِلتَّبادُعِ في لُبنانَ مَنْ عَلَمٌ؟

مَنْ لِلرَّوائعِ، آنَ الفِكْرُ يَبْتَكِرُ؟

يا ذُرْوةً لِذُرَى الإلهامِ مُشْرَعةً

على الغَمامِ، ويَحْلَولي بِها قَمَرُ

سِيَّانِ أَنْتَ ولُبنانُ الَّذي احتشدتْ

بهِ البُطُولةُ، والأقْداسُ والفِكَرُ

سَمَّيْتَهُ ((لُبْ أَنانَ))، اللَّـهُ باتَ لهُ

قَلْبًا، فإنْ راحَ يَحْكي، الحُبُّ يَنْهَمِرُ!

*

لِلعَصْرِ أَنْتَ مِحَكٌّ، والأُلَى لَمَعُوا

مِنْ دَفْقِ نَهْرِكَ، هَدَّارًا هُمُ الغُدُرُ

نَشَّأتَهُمْ رُسُلاً، أَحْلامُهُمْ مُثُلٌ

يَسْتَلْهِمُونَ تُراثًا، تاجُهُ العِبَرُ

 ((وَقُلْتَ مِنْ خَطَرٍ نَمضي إلى خَطَرٍ

ما هَمَّ، نَحْنُ خُلْقِنا، بَيْتُنا الخَطَرُ))

*

لَمَعْتَ في زَمَنٍ، باتت بِهِ أُمَمٌ

تَصْبُو إلى قِيَمٍ، والعَصْرُ يَنْتَظِرُ

نَسْلاً بَهِيًّا، عَلِيًّا، ما لَهُ شَبَهٌ

إلاَّ الأُلَى خُلْسَةً من عَبْقرٍ عَبَرُوا

أُمٌّ كَما مَرْيمٌ بالطِّفلِ حالِمةٌ

وكُنتَ حُلْمَ مَلاَكٍ زانَها الطُّهُرُ

وَعَنْ أَبِيكَ أَخَذْتَ البَذْلَ، مُنْهَمِرًا

نَهْرًا، وَيُلْهِمُ في تَدْفَاقِهِ النَّهَرُ

وأَنَّ زَحْلَةَ دارٌ للسَّلامِ سَمَتْ

مَجْلَى رجالٍ هُمُ الآسادُ، إنْ زأرُوا

في العالَمِينَ، لَها عِزٌّ وأَلْوِيةٌ

نُجُومُ فِكْرٍ، مَدَى الآفاقِ تَنْتَشِرُ…

والشِّعْرُ طافَ كَبِرْدَوْنيِّها، عَرِمًا

وَرَقَّ شِبْهًا له ما شابَهُ كَدَرُ…

*

أنْتَ، الأَصالةُ في الآدابِ، سَيِّدُها

أَنْتَ النَّبالَةُ، مَنْ وافَوْكَ ما خَسِروا

أَعْطاكَ رَبُّك ما أَعطَى صَفاءَ نُهًى

وقال: شَأْ أنْتَ، لا ما شاءَهُ القَدَرُ

فَرُحْتَ تَسْلُكُ دَرْبَ الصَّعْبِ، مُعْتَزِمًا

ولم يَغُرَّكَ لا زَيْغٌ، وَلا زَوَرُ

تَهْوَى بِلادَكَ مِثْلَ القَلْبِ واحِدةً

هَلْ يَسْلَمُ الحُبُّ حِينَ القَلْبُ يَنكَسِرُ؟

 ((ووَحْدَهُمْ أَهْلُها أَغْلى عَلَيكَ هَوًى

كَمِثْلِ عَيْنيكَ أَغْلَى مِنْهما البَصَرُ…))

كُلُّ الحَواضِرِ فيها سَيِّداتُ عُلًى

يَوْمَ، الكَواكِبُ مِنْ أَرْكانِها كُثُرُ…

كَتَبْتَهُنَّ بأَقلامٍ كأعْمِدةٍ

مِنْ بَعْلَبَكَّ، بِها يَذْهَوْهِلُ البَشَرُ

 *

يا مارِدَ العَصْرِ، في الجُلَّى يَضِجُّ ، وَفي

عُلْيا العَواصِمِ، صَوتُكَ النَّضِرُ…

غَنَّيتَ مَكَّةَ مَهْدَ الوَحْيِ، مُذْ غَرِدَتْ

بِكَ القَصِيدةُ، وازْدانتْ كما النُّذُرُ

كأَنَّما أَينما صَلَّى الأَنامُ هَمَى

وَجْهُ الإلهِ هَوًى، واستُلْهِمَ السَّمَرُ

وَمِصْرُ مَنْ كَرُمَتْ كُنْتَ الحَفِيَّ بِها

بِنَخْب شِعْرٍ، بهِ يَعْذَوْذِبُ السُّكُرُ

فقُلْتَها سِدْرَةً في الفِكْرِ وارِفةً

حَطَّتْ بها منْ ذُرَى لُبْنانِنا النُّسُرُ…

والشَّامُ شامةُ هَذا الشَّرْقِ، زِنْتَ بِها

كما الوِسامُ جَبِينًا لِلأُلَى عَمَروا

في الغَرْبِ مُلْكًا كما في الشَّرْقِ، مُفْتَرِشًا

سَريرَ عِزٍّ، بهِ تُسْتَعْظَمُ السُّرُرُ

أَنْشَدْتَها ((سائليني)) فانتَشَتْ كِبرًا

مِنْ بَعْدِ سِيرَتِها، فَلْتَكْبُرِ السِّيَرُ!

وَشاقَكَ النَّهْرُ في الأُرْدُنِّ، غاصَ بهِ

رأسُ المَسيحِ، وَحَلَّ الرُّوحُ يَنْصَهِرُ

هُنا تَعَمَّدَ، باتَتْ فيه مَوْهِبةٌ

مِنَ السَّماءِ بها يَسْمُو، وَيْقتَدِرُ

والقُّدْسُ تَبْقى، وإنْ طالَ الزَّمان، لَنا

نَحْنُ الوفاءُ بِها، إنْ غيرُنا غَدَرُوا

مَهْدُ المَسِيحِ بِها، مَغْزَى العَدُوِّ غَدا؟!

يا قَوْلةَ البُطْلِ، أَيْنَ العَدْلُ، يا عُمَرُ؟!

وَيَنْدُبُ المَسْجِدُ الأَقْصَى أَسًى وَشَجًا

مَنْ شَيَّدُوهُ، وَعادَ، اليَوْمَ، يُحْتَفَرُ

يا مَسْجِدَ الرَّبِّ، أَيْنَ العُرْبُ؟ ما عَلِمُوا

أَنَّ الجبَانةَ جُرْمٌ ليسَ يُغتَفَرُ؟!

وَأَيْنَ، أَيْنَ ضَمِيرُ الكَوْنِ؟ ماتَ؟

فلا حَقٌّ يُصانُ، ولا الأَخْلاقُ تَبْتَدِرُ

ما ضاعَ حَقٌّ، لَهُ نابٌ، لهُ ظُفُرُ

وَالكُلُّ، إنْ أَنْكَرُوا، لُبْنانُ يَذَّكِرُ

أَنَّا نُقاوِمُ، رُوحُ القُدْسِ يُلْهِمُنا

وَلِلشَّهادةِ أَحْرارٌ بِنا نُذِرُوا…

الشَّعْبُ والجَيْشُ والثُّوَّارُ مُثْلِثَةٌ

لكنَّها واحِدٌ في الحَرْبِ تَثَّئِرُ

*

سَعيدُ، سَدِّدْ خُطًى لِلشِّعْرِ قَدْ وَهَنَتْ

عَصْرُ التَّهاوُنِ مَرْهُونٌ بِهِ الهَذَرُ…

الشِّعْرُ أَنْت، وأَنْتَ الشِّعْرُ، مُبْتَكِرًا

نَحْتًا بَهِيًّا، بِهِ الأُخَّاذُ قَدْ سُحِرُوا

    *

في الغَيْبِ غِبَّ سَرابِ الرَّيْبِ، ساحِرةٌ

عَبْرَ اللَّيالَى تَلاَلَى ثُمَّ تَنْحَسِرُ…

قَدٌّ يُشِعُّ كما الإشْراقُ مِنْ أَلَقٍ

شَلاَّلَ شَمْسٍ على الأَلْماس يَنْكَسِرُ

هَيْمَى تُرَنِّمُ بالأَنْغام غَمْغَمَةً

على بِساطِ غَمامٍ شَفَّهُ السَّحَرُ

يا طِيبَها بَسْمَةً زَهْراءَ ما مَلَكَتْ

لِلْبَوْحِ هَمْسًا سِوَى ما يَمْلِكُ الزَّهَرُ

أَوْ نَسمةً مِنْ رَفيف اللَّحْنِ، أرْسَلَها

كَرُّ الكَنارِ عَلَى الجُلْنارِ تَنْتَشِرُ…

هِيَ الحَبيبةُ تُغْرِي شاعِرًا غَرِدًا

تَهْواهُ يُنْشِدُها ما الحُبُّ يَنْتَظِرُ

ورُحْتَ تُبْدِعُ حُلْمًا ما بِه حَلَمَتْ

حُورُ الجِنانِ، ولا أَرْبابُ مَنْ شَعَروا!

 ((فَقَرَّبتْ شَفَةً وَلْهَى إلى شَفَةٍ))

وكان شِعْرٌ لِسِحْرِ الحُبِّ يَخْتَصِرُ

الشِّعْرُ شُعْلَةُ ذرَّاتٍ مُزَلْزِلةٍ

إذا تَفَجَّرَ، قُلْ: نارٌ، وقُلْ شَرَرُ

كَفاكَ ((قَدْمُوسُ)) في الآدابِ مُعْجزةً

تَخْتال زَهْوًا، وتُعْلي عَزْمَ مَنْ نَشَروا

حُرُوفَ مَعْرِفةٍ، في العَدِّ خاطفَةٍ

فيها التُّراثُ، وَكُلُّ الفِكْرِ يُؤْتَسَرُ

تَحْكِي رسالةَ حُبٍّ للدُّنَى حَمَلَتْ

رُوحَ السَّلامِ، بِها تَبْني، وَتَبْتكِرُ

على اسْمِ أوروبَّةٍ، بَعْضُ القِفارِ غَدَتْ

عَمائرًا، وَبِها مِنْ بَدْعِنا أَثَرُ

*

وغَرَّدَتْ ((رِنْدَلَى)) حَسْناءَ سَكْبَ سَنًى

تُغْرِي الضِّياءَ، بِها يَغْزَوزِلُ الخَفَرُ

رَدَّتْ لِكُلِّ عَذارَى الحُبِّ حُرْمَتَها

شِعْرًا يُصَلَّى، ولا فُحْشٌ، وَلا عُهُرُ

وَلَنْ أُعَدِّدَ مِ الآثارِ كَوْكبةً

مِثْلَ العَرائسِ، مَسْحُورًا بها النَّظرُ

وَرأْسُها الحِكْمَةُ اعْلَوْلَتْ بِها قِيَمٌ

أَوحَى بها اللَّـهُ، وازدادتْ بها الدُّرَرُ

*

وزارَ باليَ شِعْرٌ مِنْكَ ذَكَّرَني

نَضْحَ النِّبالِ، وَوَمْضَ السَّيفِ يُشْتَهَرُ

تُراك تَرْسُمُ ((هانيبال))، مُعْتَلِيًا

(ع7َمَشارِفَ ((الأَلْب))، والأعْداءُ تَنْحَدِرُ؟

والرُّمْحُ مُطَّرَحٌ، والسَّيفُ مُجْترِحٌ

بهِ الرُّؤوسُ تُدَهْدَى مِثلَما الأُكَر!

*

وراوَدَتْني رُؤًى من عَنْجَرٍ رَسَمَتْ

كِيانَ عِزٍّ، بِهِ لُبنانُ يَزْدَهِرُ

بَناهُ عَزْمٌ لِفَخر الدِّين مُطَّلِبٌ

والنَّفْسُ، إنْ طَمَحَتْ بالعَزْمِ تَقْتَدِرُ

 ((كُنَّا ونَبْقى))، ولا عَصْفٌ يُزَعْزِعُنا

باهَتْ بِهَيْبَتِنا ما خَطَّتِ العُصُرُ

*

ما أكْرَمَ العُمْرَ مَرْسُومًا بهِ ذِكَرٌ

وَكَمْ تُهَدْهِدُ مِنْ أَحْلامِنا الذِّكَرُ!

إنْ هامَسَ الأمْسَ فِيك اليَوْمُ، مُنْذَهِلاً

قُلْها تَناهَت إلى مِرْآتِها الصُّوَرُ

لكنَّما الباهِرُ الباقي مِثالَ عُلًى

على جَبينِك تاجًا صاغَهُ الظَّفَرُ

إسْمٌ تَرَصَّع بالأَمجادِ نَقْطِفُها

قَطْفَ الثُّريَّا، وما أَشْهاكَ، يا ثَمَرُ!

خُذْها، سعيدُ، وَمِ الأعماق، صادِحةً

قصيدةَ العَصْرِ، مَسْكُوبًا بِها العُمُرُ

في يَوْمِ مَجْدِك طابَ الشَّمْلُ، مُلْتئِمًا

والقَوْلُ مُحْتدِمًا، والمُنْتَدى عَطِرُ

كلُّ الزَّعاماتٍ مَرْهُونٌ بها زَمَنٌ

إلاَّ زَعامةَ فِكْرٍ عُمْرُها الدَّهَرُ

(ameriseed.net)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *