لا تسل…

محمد عبد الحميد سقر

 

لا تسل عمّن أفاض الربّ، مياه العزّ تحت أرزه ابداً..

فبحر سِنيكَ سينضب، قبل ان تبني لخيم الكلام وتداً..

 

 لا تسل عمّن يقطفه الزيتون، من نخل الأرز المرتوي وردا..

فستنال بين الاجابات تسبيحاً وتكبيراً بين الاجراس سجد..

وأخباراً لا زالت رغم سطوعها سرّاً، ومجهولٌ كتمانها وجهرها عددا..

دعوني اخرج من القوافي متبختراً،

أذ أنّ الرويّ أجهز على مبدعه وجحد..

فخيرٌ لي السياحة بين الحروف،

والسباحة بعيداً بحوراً وزبدا..

والخروج من سراديب القوافي مقنّعاً،

فالصورة لن يكملها نفس الحرف مجتهدا..

أحيد أنا عن هامات الجمل والصّور،

وعن نعوتٍ سئمت تلوين المجد منفردا..

وعن ألوانٍ طاردها ما فيها طمعاً،

فاهتزّت معانيها عند الاسم منتقدا..

أيا من جئت تسأل، لا تسل،

في سهد أرضي ولد الكون متّقدا..

لا تسل هنا عن شيءٍ، لا تسل..

أوتسأل المرضعة لمَ تسهر اللّيل مجهدة؟

اويسأل من أذاب الجوى منبته،

لما جمر الفؤاد يغريه كلّما اتّقد؟

اويسأل اللّيث المضرّج سقماً،

لما يزأر كلّما فاض الجرح منتفضا؟

لا تسل، لا تسل،

فلبنان مجنونٌ بعشق الجراح وكيّها،

حتّى تقرّح اسمه وما شابه في القرح أحدا..

لبنان تغنّى بالصّليب مسكناً وسريراً

ويفتدي كلّ حينٍ في الفراش أحمد..

تراه على يمين المسيح وعند القيامة

وأقرب من خلف النبيّ وأشهد..

تراه ذبيحاً على قبة الأقصى،

وتبغدد ضحيةً في المهد مستشهدا..

أيا من تسأل، يكفيك أن لا تسل،

فحقيقة الكون بدون لبنان مشرّدا..

تكاد جروحه المسجّاة في الشرق،

تعرق نوراً وتنزف في الغرب زمرّدا..

أرضي هذه يوم هبط اليها آدم،

عرف رحمة الله فكبّر وحمد..

أرضٌ طهورٌ شادية الأضاحي،

يرنّم شهيدها لحن الفداء مخلّدا..

قد حلّ فيها الفينيق، والسريان،

والأتراك والكلدان،

والقوقاز والزنج والمغول والافرنج،

وعبيدٌ لعبيدٍ، وسبايا لسبايا،

ولا زال الله يفضّ نزاع الغيم يوميّاً لأجلها..

وقد شهدت بحور الدم والبارود،

وصلب العذارى وذبح الشهود،

وعري المنابر ومناشير اليهود،

ولا زال الله يفضّ نزاع الملائكة يوميّاً لأجلها..

أرضٌ طهورٌ فانية المحاريب،

تغرق عند الصلاة بآلام نحورها،

ويخشى الليل اذا غسق،

أن يرديه نورها ..

أرضٌ تشبّعت تسري من الجنّة الى جهنّم،

وتصلبُ كلّ يومٍ وتضرب ساقها ..

يوم حملت صليبها على درب الجلجلة،

عرجت الى سابع سماءٍ للقاء ربّها..