داءٌ أو دواء

Views: 674

 خليل الخوري 

 كانت «الخصوصة» اللبنانية مثالاً يُحتذى ومجال تقدير من مختلف بلدان العالم… كانت كذلك يوم الأطياف كلها مرجعيتها لبنان. العلاقات والصداقات مع الخارج ضرورية، ولكن الاستقواء به لا يُنتج إلا السلبيات، وعِبَر الماضي القريب كثيرة. إذ لم تُنتج الاستعانة بالخارج على شريك الداخل إلا الكوارث والفتن والحروب.

عندما فتحت أطياف الداخل المجال أمام الصداقات الخارجية، ازدهر لبنان. وعندما أدّى الانفتاح إلى استجلاب الخارج لمساعدة فريق على فريق وتحويل الصداقة إلى تبعيّة، أخذ لبنان يسقط في السلبيات التي تفاقمت وأدّت، تباعاً، إلى ما نحن عليه من فشلٍ وتردٍ وانهيارات…

الأمثال أكثر من أن تُـحصى. فالخارج يبقى الخارج سواء أكان أخاً أم صديقاً أم عدواً. هذه الحقيقة أدركها الآباء المؤسسون الذين لم يكونوا منزّهين عن الأخطاء، ولكنهم كانوا يعرفون كيف «يُفرملون» خطواتهم عندما يلمسون أن البلد سائرٌ إلى الكارثة. أما في مرحلة ما بعد الحرب، فقد أدّى الاستقواء بالخارج إلى فصم العُرى بين الأطياف الداخلية، فيما كان يُفترض أن تقوى وتشتدّ أُخوّة العيش الواحد.

مؤسف أن الجيل الذي آلت إليه مقاليد البلد بعد الحرب لم يرَ إلى لبنان إلا منافع شخصية. وليت تلك السياسات تعود بالخير على أتباع المتحكّمين بالأمر، إذ هي مجرّد منافع شخصية لهؤلاء بينما المواطنون ينزلقون في الفقر والبلد ينحدر أكثر فأكثر في الهاوية.

قد يكون الخطأ الكبير أن تسوية ما بعد الحرب جاءت بالميليشات إلى الحكم، فمارست على البلد ما كانت تُـمارسه في المتاريس من مشيئة الظلم والتحكّم والمغانم والهيمنة. ولعلّنا البلد الوحيد في العالم الذي يأتي بالمقاتلين إلى السلطة. وهذا مُغايرٌ لحركة التاريخ. وبالتالي فالنتيجة واضحة وبيّنة. ويكفي أن يكون شعبنا في هذه الحال من التردّي لنُدرك نتيجة تحكّم الجيل الهجين بمقاليد لبنان.

لقد كانت التعددية الثقافية في الشعب الواحد ثراءً للبنان، ولكن بفضل الاستقواء بالخارج تحوّلت إلى عدائية. لأن الخارج، أكان ولياً للأمر أم وصياً، يعرف أن وحدة الشعب الحقيقية هي أكثر ما يُسيء إلى استمراريته.

من أسفٍ أن الجيل الهجين الذي تولّى شؤوننا لم يتعلّم من أخطائه وخطاياه، فحوّل التعددية من دواءٍ إلى وباءٍ مستحكم، أين منه كورونا وسائر الفيروسات والأوبئة القاتلة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *