أَزْمَةُ المُعْتَقَدِ وَالهُوِيَّةُ الضَّائِعَةُ فِي الرِّوَايَةِ المُعَاصِرَةِ (نَاتَالِي الخُورِي، بُرْهَانُ شَاوِي، سُعُود السَّنْعُوسِيّ) -نَمَاذِجُ مُخْتَارَةٌ-

Views: 19

“أزمة المعتقد والهويّة الضائعة في الرواية العربية المعاصرة( برهان شاوي، سعود السنعوسي، ناتالي الخوري)”، عنوان أطروحة الباحثة رفاه دياب التي تمت مناقشتها في الجامعة اللبنانية، ونالت  جيد جدًا. تألفت اللجنة من الدكاترة: خليل ابو جهجه، مريم حمزة، ابراهيم فضل الله،  مهى الخوري، يوسف نصرالله. في ما يلي  نبذة عن الأطروحة.

 

تَرْصُدُ الدِّرَاسَة المَأْسَاةَ الحَقِيقِيَّةَ الَّتِي يُعَانِيهَا عَالَمُنَا العَرَبِيُّ، فِي ظِلِّ الصِّرَاعَاتِ الحَادَّةِ، فَتُعَالِجُ مُعْضِلَاتِ الفِكْرِ فِي إِطَارٍ فَلْسَفِيٍّ مُعَمَّقٍ، يَخْتَصِرُ الوَاقِعَ فِي سَرْدٍ مُتَخَيَّلٍ، يُحَاكِي الإِشْكَالِيَّاتِ المُتَعَدِّدَةَ بِرَمْزِيَّةٍ حِينًا، وَبِوَاقِعِيَّةٍ حِينًا آخَرَ، وَذَلِكَ بِأُسْلُوبٍ يَنْطَوِي عَلَى أَشْكَالٍ شَتَّى مِنَ المُتَنَاقِضَاتِ كَالحُبِّ، وَالكُرْهِ، وَالوُجُودِ وَالعَدَمِ، وَالإِيمَانِ وَالكُفْرِ، وَالإِلْحَادِ وَالتَّصَوُّفِ، وَالمَوْتِ وَالحَيَاةِ، وَفِي هَذِهِ المُجْتَمَعَاتِ هُوِيَّاتٌ ضَائِعَةٌ وَمَصَايِرُ مُضْطَرِبَةٌ.

تُعالجُ الرِّوَايَات السّتّ الأَزْمَاتِ الَّتِي يُعَانِيها المُجْتَمَعُ، وَبِوَجْهٍ خَاصٍّ الأَحْدَاثَ الأَخِيرَةَ كَالحُرُوبِ، وَمَوْجَاتِ التَّطَرُّفِ، وَالاقْتِتَالِ الطَّائِفِيِّ وَالمَذْهَبِيِّ، وَكُلِّ مَا أَدَّى إِلَى تَغَيُّرِ المَنْظُومَةِ القِيَمِيَّةِ، وَقَلْبِ المَوَازِينِ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، وَهَذَا مَا نَتَجَ مِنْهُ أَزْمَاتٌ إِيْمَانِيَّةٌ وَنَفْسِيَّةٌ، وَتَعْقِيدَاتٌ، وَقَلَقٌ وُجُودِيٌّ، فِي بِلَادٍ تُكَابِدُ التَّشَتُتَ، وَتَتَقَاسَمُ فِي مَا بَينَهَا خَيْبَاتِ أَمَلٍ كَبِيرَةً.

أَمَّا الإِشْكَالِيَّاتُ الَّتِي عَالَجَتْهَا هَذِهِ الدِّرَاسَةُ، فَقَدْ تَمَثَّلَتْ فِي السَّعْيِ إِلَى الكَشْفِ عَنْ أَزْمَتَيِ المُعْتَقَدِ وَالهُوِيَّةِ الأَصِيلَةِ أَوِ البَدِيلَةِ، وَعَنْ تَخَلْخُلِ المُعْتَقَدَاتِ وَفُقْدَانِ الهُوِيَّةِ وَالبَحْثِ عَنِ البَدَائِلِ، وُصُولًا إِلَى مَظَاهِرَ مِنَ الثَّوْرَةِ وَالتَّمَرُّدِ.وَتَتَجَلَّى هَذِهِ التَّسَاؤُلَاتُ وَفْقًا لِلشَّكْلِ الآتِي:

– هَلِ البَحْثُ عَنِ الهُوِيَّةِ يَتَّخِذُ طَابَعًا فَرْدِيًّا، أَو أَنَّهُ هَاجِسُ جَمَاعَاتٍ بِأَكْمَلِهَا؟

– مَا هِيَ الدَّوَافِعُ وَرَاءَ حَالَةِ البَحْثِ عَنِ الانْتِمَاءِ؟ أَهْيَ حَاجَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ أَمْ ضَرُورَةٌ وُجُودِيَّةٌ لَهَا أَبْعَادٌ نَفْسِيَّةٌ وَتَشَعُّبَاتٌ سُوسْيُولُوجِيَّةٌ، مُتَمَثِّلَةٌ فِي عُمْقِ التَّارِيخِ؟

– مَا هُوَ تَأْثِيرُ العَوامِلِ السِّيَاسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ فِي وَضْعِ هَيْكَلِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِلْهُوِيَّةِ؟

– كَيْفَ تَتَبَدَّى التَّعْقِيدَاتُ الإِيمَانِيَّةُ؟ وَمَا هِيَ تَدَاعِيَاتُهَا؟ وَهَلْ تَطْرَحُ أَوْجُهًا جَدِيدَةً، وَآرَاءَ مُبْتَدَعَةً عَنْ حَقِيقَةِ الدِّينِ وَجَوْهَرِهِ؟

-هَلِ المَسَاسُ بِالمُقَدَّسِ يُؤَدِّي إِلَى التَّشْكِيكِ فِي الوُجُودِ الإِلَهِيِّ؟ أَو أَنَّهُ يُفْضِي إِلَى الإِيمَانِ بِالعَدَالَةِ الإِلَهِيَّةِ وَيُصْبِحُ الشَّكُّ طَرِيقًا إِلَى اليَقِينِ؟

– هَلْ تُعَدُّ الأَزْمَاتُ الإِيمَانِيَّةُ وَالحُرُوبُ وَالمَآسِي وَالأَمْرَاضُ دَافِعًا إِلَى طَلَبِ الرَّحْمَةِ، أَو أَنَّهَا الدَّافِعُ وَرَاءَ ظُهُورِ الكُفْرِ وَالإِلحَادِ؟

اعْتمدت هذه الدراسة على المَنْهَجِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَالمَنْهَجِ البُنْيَوِيِّ السَّرْدِيِّ، بِالإِضَافَةِ إِلَى الاعْتِمَادِ عَلَى نَظَرِيَّاتِ عِلْمِ النَّفْسِ – التَّحْلِيلِيِّ.

وَقَدْ جَاءَتِ الدِّرَاسَةُ في بَابَينِ وَخَاتِمَةٍ، يَضُمُّ كُلُّ بَابٍ فَصْلَينِ، وَيَبْدَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتَمْهِيدٍ، وَيَنْتَهِي بِخُلَاصَةٍ.

تَنَاوَلَ الفَصْلُ الأَوَّلُ التَّصَوُّفَ، وَالتَّطَرُّفَ، وَالإِلْحَادَ فِي أَعْمَالِ الرِّوَائِيِّينَ الثلاثة، ثُمَّ أَظْهَرَ الأَسْبَابَ المُؤَدِّيَةَ إِلَى السَّيْرِ فِي طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ، وَسُلُوكِ دُرُوبِ التَّطَرُّفِ، كَمَا بَيَّنَ الأَسْبَابَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى بُرُوزِ ظَاهِرَةِ الإِلْحَادِ.

وَدَرَسَ الفَصْلُ الثَّانِي التَّعَدُّدِيَّةَ الحَضَارِيَّةَ وَالثَّقَافِيَّةَ فِي الرِّوَايَاتِ السِّتِّ، مُظْهِرًا دَلَالَاتِهَا الاجْتِمَاعِيَّةَ، وَاللُّغَوِيَّةَ، وَالسِّيَاسِيَّةَ.

أَمَّا الفَصْلُ الأَوَّلُ مِنَ البَابِ الثَّانِي، فَعَالَجَ أَزْمَتَيِ الهُوِيَّةِ وَالدِّينِ، وَتَطَرَّقَ إِلَى أَزْمَةِ القَلَقِ الوُجُودِيِّ وَضَيَاعِ الهُوِيَّةِ فِي أَعْمَالِ الرِّوَائِيِّينَ الثَّلَاثَةِ.

وَدَرَسَ الفَصْلُ الثَّانِي مِنَ البَابِ نَفْسِهِ نَزْعَةَ الهَرَبِ وَالاغْتِرَابِ، وَنَزْعَةَ التَّمَرُّدِ وَالثَّوْرَةِ، فَكَشَفَ عَنِ العَلَاقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَعَنِ الصِّرَاعِ بَينَ الذَّاتِ وَالمُجْتَمَعِ.

وَقَدْ انتهى البَحْثَ بِخَاتِمَةٍ تُوجِزُ مَا تَوَصَّلَتْ إِلَيْهِ الدِّرَاسَةُ مِنْ نَتَائِجَ مُحَدَّدَةٍ، منها:

– فِي الرِّوَايَاتِ السِّتِّ شَخْصِيَّاتٍ ضَعِيفَةً وَمُتَنَاقِضَةً؛ نَشَأَتْ فِي مُجْتَمَعَاتٍ تَشُوبُهَا التَّعْقِيدَاتُ الدِّينِيَّةُ، وَالاجْتِمَاعِيَّةُ، وَالسِّيَاسِيَّةُ، وَالثَّقَافِيَّةُ. وَقَدْ تَعَدَّدَتِ المَسَارَاتُ الَّتِي سَلَكَتْهَا، فهُنَاكَ شَخْصِيَّاتٍ سَعَتْ إِلَى بُلُوغِ التَّصَوُّفِ، وَلَكِنَّهَا فَشِلَتْ فِي مُحَاوَلَاتِهَا، وَأُخْرَى مَشَتْ فِي طَرِيقِ التَّطَرُّفِ، نَاشِرَةً الحِقْدَ، وَالفِتْنَةَ، وَالتَّفْرِقَةَ بَينَ النَّاسِ، وَأُخْرَى كَانَتْ مُلحِدَةً تُجَاهِرُ بِنُكْرَانِ اللهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى أسبَابٍ نَفْسِيَّةٍ، وَسِيَاسِيَّةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَثَقَافِيَّةٍ.

– ظهرت فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ قَضِيَّةَ التَّعَدُّدِيَّةِ الفِكْرِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ.

– سَلَّطْت الباحثة الضَّوْءَ عَلَى أَزْمَةِ الهُوِيَّةِ، وَتَخَبُّطِ الشَّخْصِيَّاتِ، وَبَحْثِهَا عَنِ انْتِمَائِهَا الحَقِيقِيِّ.

– بيّنت الدراسة مُكَابَدَةُ الشَّخصِيَّاتِ وَمُعَانَاتُهَا تُجَاهَ أَزْمَةِ المُعْتَقَدِ الَّتِي نَجَمَتْ عَنْ دِيَانَاتٍ جَدِيدَةٍ.

 – عالجت الدراسة ظاهرة التَّطَرُّف الّتي تَجْتَاحُ العَالَمَ بِأَكْمَلِهِ، خُصُوصًا المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةَ. وَقَدْ تَجَلَّى ذَلِكَ فِي بُرُوزِ مُتَطَرِّفِينَ، سَعَوْاْ إِلَى فَرْضِ الدِّينِ بِالقُوَّةِ، وَقَتْلِ الأَبْرِيَاءِ مِنْ دُونِ رَأْفَةٍ.

–  وعالجت أيضًا ظاهرة الإِلْحَاد الّتي لَا تَحُدُّهَا أَمْكِنَةٌ وَلَا أَزْمِنَةٌ؛ فَهْيَ عَبَرَتْ حُدُودَ البُلْدَانِ

– برزت فِي الرِّوَايَاتِ أَزْمَةٌ  لَدَى بَعْضِ الفِئَاتِ، نَتَجَتْ عَمَّا تَعَرَّضُوا لَهُ مِنْ نَبْذٍ وَاسْتِعْلَاءٍ نَظَرًا إِلَى اخْتِلَافِ الأَعْرَاقِ والثَّقَافَاتِ (قَضِيَّةُ البَدُون).

– أَثَّرَتْ الحروب فِي الهُوِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ، وَأَثْمَرَتْ هُوِيَّاتٍ قَاتِلَةً، كَمَا أَنَّ التَّعَصُّبَ المَذْهَبِيَّ تَرَكَ أَثَرًا فِي نُفُوسِ الأَجْيَالِ، بِالإِضَافَةِ إِلَى الخُطَبِ التَّحْرِيضِيَّةِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْ رِجَالِ دِينٍ، يُفْتَرَضُ بِهِمْ أَنْ يُقَرِّبُوا بَينَ أَبْنَاءِ الوَطَنِ، وَينبِذُوا العُنْصُرِيَّةَ، وَيَنْشُرُوا المَحَبَّةَ وَالتَّسَامُحَ.  لذلك برزت شَخْصِيَّاتٍ روائيّةٍ قَاسَتْ أَزْمَةَ هُوِيَّةٍ، وَأَثْمَرَتْ هُوِيَّاتٍ مُمَزَّقَةً، وَنُفُوسًا تَائِهَةً.

(www.topskitchen.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *