عبده لبكي في مناسبة تسلّمه جائزة جان سالمه السنويّة: الجمال يُنقذ العالم، ومَنْ كان التواضع من صفاته، شمخت إبداعاته

Views: 788

*كلمة الأديب والشاعر عبده لبكي في الاحتفال الذي اقامته لجنة الأديب جان سالمه في قاعة بلدية بعبدات لمناسبة منحه جائزتها السنوية للعام 2021 بحضور رئيس وأعضاء المجلس البلدي ونخبة من الأدباء إلى أهالي البلدة:

 

سيّداتي سادتي أيّها الأصدقاء،

في هذه الأيّام النّازفة، والمعلّقة على سلكٍ وكأنّ بها مسّاً، وأمام هذا الواقع النّازح إلى حدود التبعثر والتقهقر والتهوّر، ولن أزيد، أُراكم يا أصدقائي تقفون للأدب حرّاساً، وتسكُبون على جسده الحيّ، رحيق الحبّ وبلسمَهُ.

أفلا تكونون أنتم الأجدرَ بالأوسمة والجوائز، تنالونها ممّن لم يكن يُريد شيئاً لنفسه، بل وهب كلّ نفسه لهيكل الأدب ومجده، وفي هذا كان غناه، وأيضاً إبداعه وكان سعيداً..

الرّجل المحتشدةُ سنيّه في الصّفاء، زاهداً كان، إلّا في صداقاته وفي كتاباته، ليصوغ من طينة إنسانيّته، مثاليّته وتماثيله. ولم تكن الأحوال لتختلط عليه، لأنه كان يفهم غير المُتوقّع، إذ هو لم يدعُ إلّا للكلمة المُعرّاة حتّى من تاجها.. فتح لها صفحاته كلّها فأوت إليها واطمأنّت، وأرادها نبراساً لمحبّة شاملة..

 

إنّه الأديب الصّامت ولكن المُدوّي “جان سالمة”

وأدبه ليس أدب المأزق بل أدب الشهادة. الشّهادة لكل ما هو حقٌّ وجميل، برفقة شريكة حياته السّيّدة “جاكلين” ترى ما يراه وتوضحه له، ولو في غمرة الواقع البشري، وقد شهد “جان سالمة” تمزّق هذا الواقع ومآسيَه دون أن يشهد للبشاعة فيه، لأنّه كان ينظر إلى الحياة بروحٍ شفّافٍ وقلبٍ نقيّ، وفيهما يغمس قلمه الرّقيق الرّفيق، ونبضه السخيّ السّنيّ..

كطائرٍ فريد كان يغرّد دون أن يُرى، ولكن يحبس جمال الأنغام في الحروف وفي الذاكرة والوجدان لحضورٍ دائم..

ومَنْ كان التواضع من صفاته، شمخت إبداعاته  وأثمرت ؛ كتاباً كتاباً، ومقالةً مقالة، وقصيدةً قصيدة.. وجائزةً جائزة..

يُسعدني ويُشرفني أن أنال جائزتك يا صديقي الغائب الحاضر، وهي مكلّلة بالتواضع ودماثة الخلق، وقد عهدت بها إلى نخبة ممّن يأتمنهم الأدب على كنوزه كما على اختياراتهم، وبهم يعلو شأنه. عنيت :

 السّيّدة “جاكلين سالمة” الهادئة المُسالمة ولها أقدّم تحيّة كلّ صباح.

 والأستاذ “جورج لبكي”، الأستاذ الجامعي المشهود له بعلمه وثقافته الواسعة، ورقيّ تعامله في حياته المهنيّة وعلاقاته الاجتماعيّة. وكم أشعر بالفخر حين يُذكّرني بأنّه كان ذات يومٍ من تلاميذي وأشهد له بالذكاء والوفاء.

 

  والأستاذ “موريس نجّار”، الشّاعر ومُعلّم الرّياضيات المتفوّق، ورفيق الدّرب في مسيرة التربية. ويُدهشني أمره، كيف استطاع أن يجمع بين الخوارزمي وأوزان الفراهيدي، وبين الشّعر وكتاب إقليدس..

  والأستاذ “ميشال كعدي” الأديب الزّميل واللغويّ المُميّز، والمَرجِع في اللّغة نحواً وصرفاً.

 وسعادة القاضي خليل أبو رجيلي.

 والمحامي الأستاذ حبيب الخوري.

 والأديب الأستاذ جوزف مهنّا.

 والأستاذ محمّد الشّامي.

 والإعلامي الأستاذ هادي متري.

 والإعلاميّة المُميّزة السّيّدة “جانّ-دارك أبي ياغي” وعندها أناقة القلم، وعندها من لَباقة الحديث وعذوبته ما يُطرب.

ويوم اتّصلت بي وسألتني عن اللّقب الّذي ألتفّ به، قلت لها: أنا أغتني باسمي دون الألقاب، وخصوصاً الطّاووسيّة، تلك الّتي نُسجت من خيوط الزّيْف وعُقدة الدّونيّة، ولأنّها تُعمي صاحبها، فيتملّكه الغرور ويُقصيه عن الجوهر والحقيقة والحُبّ.

والشّكر الجزيل للمجلس البلدي على استضافة هذا الاحتفال في بعبدات، قريتي الّتي فيها تعرّفت وجه الشّمس والشاعريّة، عبر أوقاتها وأحلامها والفصول، وما أزال أحفظ جمال طبيعتها بين الضّلوع، ومعها طفولتي. وما أزال أتذكّر قديم بيوتها، وتاريخ كبارها والأجداد، كما أحفظ محبّة أبنائها وصفاءَ طويّتهم، ولي بينهم هنا، أنسباء وأصدقاء وأحباء.

وأريد أنْ أعرب عن تقديري لصديقي وقريبي الدكتور هشام لبكي، رئيس البلدية، ولأعضاء المجلس البلديّ الكرام، لنشاطهم الميمون في خدمة بعبدات العامرة بأبنائها وسكّانها..

 

أصدقائي،

من قناعات “دوستويوفسكي”، أنّ الجمال يُنقذ العالم. الجمال طبعاً في مُختلف وجوهه ووجوده وأبعاده الفيزيكيّة والفنّيّة والعمرانيّة والماورائيّة. والرئيس “كينيدي” المعجب بشاعر أميركا الأوّل “روبرت فروست”، قال في يوم تكريمه:

إذا كانت السّلطة السّياسيّة تُفسد، فإنّ الشّعر من شأنه أنْ يُطهّر.. وأضيف : أنْ يُحرّر..

وفي رأيي أنّ الجمال والشّعر صنوان وكذلك الحرّيّة والشّعر، وأنّ البيان والبلاغة، هما إبداعيّاً أرقى درجات الفكر. ولا تطوّر ولا ارتقاء، من دون حرّيّة العقل والخيال، وتحرّر الرّوح.

لكنّ العالم اليوم سائرٌ نحو العبوديّة، أي نحو أفقٍ مسدود، له أسياده من أعداء الإنسانيّة وأعداء الحقيقة وأعداء الله.. وقانا الله شرّ مُخطّطاتهم..

دمتم ودام للأدب تألّقه، لعلّه بضيائه، يُبدّد بعضاً من الظلمة في وطننا المُعذّب.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *