31 عاماً على شاعر الضفتين جورج شحادة

Views: 1267

سليمان بختي

 واحد وثلاثون عاماً مضت على غياب الشاعر والمسرحي جورج شحادة، شاعر الضفتين (1905-1989) ولا يزال أثره في الشعر والمسرح يتعمق ويفيض بلغته الفرنسية وروحه اللبنانية المشرقية. هو الذي قال عنه لويس ماسينيون: “إن جورج شحادة هو من اكبر الأدباء اللبنانيين والعرب لأنه من حيث عمق هذا الأدب وروحيته هو أفضل من عبّر عنه، وإن بلغة مختلفة”.

ولد في الإسكندرية عام 1905 هو ابن اللبناني الياس (ايلي) شحادة وليزا شيخاني. في نشأته الدراسية في مصر كان متفوقاً باللغة الفرنسية وضعيفاً باللغة العربية واستقدم له أبوه مدرّساً خصوصياً لتقويته بالعربية. كان اسم هذا المدرّس خليل مطران (شاعر القطرين). عادت العائلة إلى لبنان سنة 1920 واستقرت في الاشرفية، بيروت. أكمل دراساته العليا في الحقوق، الجامعة اليسوعية. وعمل لفترة في وزارة العدل. ثم انتقل إلى المدرسة الفرنسية العليا للآداب وأصبح امينها العام (1943). وفي عام 1962 انتقل إلى وظيفة مستشار في البعثة الثقافية الفرنسية في بيروت. تزوج من الفرنسية بريجيت كولريه وأنجب ولداً اسمه ايلي. وكان بيت جورج وبريجيت نقطة جذب للمثقفين والفنانين اللبنانيين ولأدباء العالم القادمين إلى لبنان.

في العام 1970 افتتحت بريجيت شحادة صالة للفنون التشكيلية في عين المريسة وشهدت الكثير من العروض للفنانين اللبنانيين وكذلك كبار التشكيليين العالميين مثل ماكس ارنست وميرو واندريه ماسون.

ظهرت أول قصيدة له في مجلة “كوميرس” سنة 1930 بإشراف الشاعر سان جون بيرس، وعبر زياراته المتكررة إلى باريس تعرّف إلى معظم أدباء وشعراء فرنسا ومنهم أندريه بريتون وبول ايلوار وماكس جاكوب ورينه شار وغيرهم.

بين 1938 و1950 اصدر 6 دواوين نشرتها دار GLM المتخصصة بالشعر. ثم أعيد إصدارها عام 1951 في دار غاليمار. وفي السنة ذاتها نشرت مسرحيته “مسيو نوبل” التي اخرجها جورج فيتالي. ثم عرضت مسرحيته “سهرة الأمثال” بإخراج جان لويس باروه. ثم “حكاية فاسكو” (1956) و”البنفسجات” (1960) و”السفر” (1961) و”مهاجر بريسبان” (1965).

ولكن ماذا عرض من أعمال ومسرحيات له في لبنان؟

عرضت “حكاية فاسكو” في مهرجانات بعلبك الدولية (1957). كما قدم يعقوب الشدراوي لوحات وقصائد في “اعرب ما يلي” (1970) واخرج ميشال غريب مسرحية “السفر” وقدمها بالانكليزية. وقدم بيرج فازليان “حكاية فاسكو” بالارمنية. واخرج انطوان ملتقى “مهاجر بريسبان” بترجمة ادوار أمين البستاني، وقدمت في مسرح مارون النقاش (1991) وأعيد إخراجها من نبيل الأظن في مهرجانات بعلبك بترجمة عيسى مخلوف (2004). وقدم المخرج ميشال جبر “مهاجر بريسبان” (1995).

ولكن ماذا كان دوره على صعيد المسرح اللبناني؟ يمكن القول إنه انجذب لمسرحين في لبنان: شوشو والأخوين رحباني. يروي فارس يواكيم أن جورج شحادة كتب في إحدى كتيبات مسرح شوشو هذه العبارة: “الآن بإمكاننا القول إن المسرح ولد في لبنان”. وكان يواظب الحضور على مسرح شوشو منذ بداياته، في العام 1965. وذات مرة دخل إلى الكواليس مهنئاً شوشو بالقول: “أنت ممثل كوميدي من عيار عالمي”.

أما علاقته بمسرح الاخوين رحباني فيؤكد الباحث محمود زيباوي بأنه كان من الحلقة الاستشارية الضيقة التي كانت تضم سعيد عقل وانسي الحاج ورفيق خوري. وينقل عن انسي الحاج إن مشهد خلاف ألمي ومصادرة القمر في السطل في “بياع الخواتم” هي فكرة جورج شحادة. ويذكر جوزف أبي ضاهر نقلاً عن الفنان جوزف ناصيف صحة ذلك وصوابيته.

كما انه كان قريباً من مجلة “شعر” وأجرى الشاعر شوقي أبي شقرا حواراً مطولاً معه وترجم له أدونيس القصائد وكتب عنه عصام محفوظ كتاب “جورج شحادة ملاك الشعر والمسرح” وقد جمعته مع محفوظ صداقة الشعر والمسرح والروليت وشوارع باريس. كما ساهم في دعم المسرح في لبنان وكان عضواً في جمعية رعاية المسرح اللبناني. وفي لجنة المسرح العربي التابعة لمهرجانات بعلبك الدولية. كما اشرف على تأسيس المركز الجامعي للدراسات المسرحية في المدرسة العليا للآداب. وهو الذي سعى لأجل منحة نالها المخرج موريس معلوف في باريس.

وفي السينما كتب جورج شحادة سيناريو وحوار فيلم “جحا” من بطولة عمر الشريف وكلوديا كاردينالي وصُوِّر في تونس. وثمة فيلمان مصريان اقتبسا موضوعهما من مسرحه: “بنات ابليس” و”الرغبة والثمن”. وفي الشعر اصدر سنة 1977، “أنطولوجيا البيت الواحد” و”السابح في حب واحد” (1985) وفي صيف 1972 طبعت له الكويت معظم أعماله المسرحية بترجمة من أدونيس. ونشرت له دار النهار عام 1998 مجموعة “قصائد” بترجمة أدونيس كذلك.

ولما اشتعلت الحرب في لبنان عام 1975 بقي في بيروت وصمد حتى العام 1978 وهي السنة التي توفيت فيها والدته فانتقل إلى العيش في باريس. وصل إلى باريس من لبنان يحاول بأسلوبه الشعري وفكره الإنساني أن يرفع الستار عن المسرح الفرنسي. وأعطى الأدب العالمي شعراً وقصصاً ومسرحيات خالدة. واستطاع أن يثير اهتمام العالم العربي والغرب بواسطة أدبه المميز ونتاجه الذي صفق له العالم. في “سهرة الأمثال” يقول: “المهم أن نساعد على انتشار الكلمات”. قضية جورج شحادة هي قضية البراءة والحلم، قضية الحس الشعري في الإنسان، واللعبة المسرحية الباحثة عن تجلياتها. مسرح شحادة هو “حيوان رمزي”، يقول أدونيس وحياته أسطورة متأرجحة بين الطفولة والكهولة.

الشاعر هنري زغيب يحاور جورج شحادة

***

أمضى جورج شحادة حياته وسنوات العمر متأرجحاً بين مصر ولبنان وفرنسا. ولكن حنينه أبداً: لبنان. كان يسميه بلد المصابيح. ولبث في شوق وحنين إلى الجبال البعيدة والى لقاء ناس أيام زمان. قال عنه صديقه كميل أبو صوان: “انه كان يسترجع بحسرة الماضي وذكرياته في ضهور الشوير”. ولكن الوطن الحقيقي لجورج شحادة هو الحلم. ألم يقل عنه سان جون بيرس “شاعر ومن أكثر منه، ومن أفضل منه، شاعر يكاد يضيع في القصيدة التي أنجبته”.

قبل رحيله بأيام جلس تحت صورة زيتية للأميركي جون فيري وقال: “يجب أن اتصل بأمي. إنها أفضل قصيدة وهذه المرة لست أنا بالشاعر ولكن هي. سأغفو بسهولة/ لا تدهشي العصفور الذي ينظر إلى الألوان تولد قبل النوم/ الزهر لا يثمر هذا الأسبوع/ وجهدي نحو فمك يضيع/ لحظة أنا خارج الفصول كالجوهر/ صافياً كالجمر”.

وفي الندوة الخاصة به في مسرح مونو قال: “أريد قبراً ابيض لا كلمة عليه الذين يخشون الموت حمقى”.

وفي رثائه كتب شوقي أبي شقرا في “النهار” (19/ 1/ 1989) “هو وارث الشعراء الحكواتيين المشرقيين، ويكفيك وأنت القبطان والصديق الساهر والمؤتمن على الشاعر النحيف الرقيق والقصير والقصبة. يكفيك أن تكمشه بين ذراعيك فهو الحمل الذي خفّ حمله وغلا ثمنه، وهو القصيدة قبل الكتاب وسترى النهر يهون لك بل تستعذب رحلتك الثنائية، ولن تصل لحسن حظك إلى الضفة المنشودة لأنك في رفقة شاعر كبير هو الكتاب إياه في يديه ومن يضجر من الكتاب أو يريده أن ينتهي عند حد أو يصل إلى غاية وجدار ويصطدم بالواقع التافه”. 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *