الخروج الكبير

Views: 387

د. جان توما

كان صراخي يغور كبد السماء لأنّ الجرح يحفر كالسكين في رئتي. راح نَفَسي، ولم أعد أقوى على هدهدة الأغاني لينام طفلي إذ غفا على صوت انفجار، ووجع معدة خاوية، وغياب دواء لم أقع عليه .

لم أعد اسمع صوته ولا أنينه.أحمل قلبي بين ذراعيّ، أدور به حول أسوار المدينة،أصرخ من ألمي والناس حيارى. سقط قلبي يوم سكت لساني عن الجهر بالحقّ، وعن فضحهم، وعن انتقاد تحاصصهم وتوزّع المغانم.

يا حاملة جسد البلد الطري، لا تعتلي همّا، فكلّ شيء مؤمن، من علبة الحليب إلى رغيف الخبز  وحبّة الدواء.لماذا خرجت من ركام الأنين صارخة؟ ولماذا هذا التضرّع إلى السماء؟ انظري إلى من أوجعك. حدّقي في عينيه، وأره غضبك لعلّه يتقي من الذي في السماء، فيستحي من جشعه وسطوته واحتكاره وسرقته.

أنت تخرجين من الحطام حاملة وطنًا فتيًا آتيًا،  يأمل المواطنون الأنقياء أن يكون على شاكلتهم. يلعب تحت ضوء القمر، يقطف النجوم، يطلع فجرًا  إلى مصطبات البيوت، يوقظ النيام بتؤدة دون أن يسرق أحلامهم.

وصل صوت صراخك إلى أبعد مدى، لكنه لم يخترق قلوب الطامعين والجشعين والمستفيدين. هل غابت القلوب اللحميّة ولم تعد تشعر بأوجاع الآخرين؟

من لملم أرغفة الخبز وزيت الشفاء ومنعها عن المُتْعَبين؟ حتى فتات الرغيف أخفاه عن اليمام وطيور الغاب. متى يعود الغاب إلى عفويته وطبيعته ونقائه كي لا تسود شريعته على يد الإنسان؟!

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة- ٢٠٢١

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *