عنوانٌ في أزقّةِ التِّيهِ

Views: 430

ماريا عبد النور

مشرّدةٌ، تقبعُ الذاتُ البشريّة في صومعتِها، تئنّ فراغًا داخليًّا صامتًا يأبى الصراخ، يُكابر على الكلامِ ويتحدّاه بقوّةِ الصّمت، والنفسُ عن الشفاءِ عاجزة.

تبحثُ عن رسالةٍ في زجاجةٍ على شاطئٍ رمليٍّ مهجور، مستبيحةً حرمة أحرفٍ نذرت عذريَّتها لأبجديّةٍ أفلاطونيّةٍ مقدّسةٍ، آملةً الارتماء في وحلِ السعادةِ الأبديّة.

متنكّرةٌ لواقعها، رافضةٌ مواجهة نفسِها، محافظةٌ على صلابة الجفاء، أكملت الذاتُ سطوها على وجودٍ غيريٍّ هربًا من عدميّتها الداخليّة.

اغترابُ الذاتُ عن ذاتِها معضلةٌ متأصّلةٌ في صلبِ الكِيانِ البشريّ، توقعُب أصحابها في رمالِ المتاهةِ المتحرّكةِ العميقةِ، التي لا مفرّ من حتميّةِ نهايتِها، إلّا بلحظةِ إرادةٍ شخصيّة، تقررُ فيها الذاتُ الخروج من دوّامةِ الضّياعِ والانصات لصوتِها الدّاخليّ، حيث الوعي يبسط راحتَه ويُلقي بثقلِ أفكارِه المتخمّرةِ على عمقِ النفسِ البشريّةِ الواهمة، فيُصحيها من حلمِها ويرمي بها أمام عتبةِ الحقيقةِ الموجعة.

حمقاءَ كانت الذاتُ يوم ظنّت أن بوسعها ملء فراغها الذاتيّ عبر انشغالها بأمورِ العالمِ الخارجيّ السطحيّة، غير مدركةٍ أن النقصَ يعتاشُ على التّلهي، فيكبر وينضج وينمو.

 خسارةٌ يجب على الكِيانِ الاعتراف بها والإقرار أن السعادةَ لا تستوطنُ أدراج العالم الخارجيّ، ولا تسكنُ وحيدةً في صومعةٍ معزولةٍ عن نبضِ الكون، بل هي تنبعُ من أعماقِ الفكرِ الإنسانيّ اللامتناهي الحدود.

السعادةُ خيارٌ نتّخذه في لعبةِ الحياة،مغامرين فيها كحظِّ المبتدئين، وتمرّس المخضرمين، وحنكة الحكماء،فندرك أنالسّرَ لحياة ٍسعيدةٍ هو رهنُ صوابيّة شروط اللعب: الجرأة،ُ المغامرةُ، المشاركةُ، والتصالحُ الذاتيّ، للتمكّن من الانخراط فيها والتلذّذ بمواهبِ الوجودِ الحرّ.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *