خليل مطران… المجدد في الشعر الحديث

Views: 1256

 وفيق غريزي

خليل مطران شاعر منفتح الذهن على الحركة التجددية في الشعر العربي، وقد اجترأ على متابعتها يوم كان شعراء عصره يهابونها ولا يهتمون بها، وعبر عن موقفه هذا بقوله: “اني اجرأ من حافظ ابراهيم واحد شوقي على التجديد، ولكني مع ذلك لم اجدد شيئا عظيما. الواقع ان اسلوبنا قديم يدخله شيء قليل من المصطلحات والافكار الجديدة، وليس قصدي من التجديد ان نقنع بقليل من الالفاظ والعبارات. انما اقصد بالتجديد أن يخلق الشاعر موضوعا من اوله الى اخره. ويصوغه ويصوره، ويفصله على النحو الذي وجدنا كل الشعراء العرب العباقرة قد نحوه في مولدات قرائحهم.. التجديد يحتاج الى الخلق والابداع وتكوين الموضوع”. 

مدرسة التجديد

كان مطران بين شعراء عصره صاحب مدرسة التجديد في الادب العربي، وقد حاول ونجح في محاولته، فنقل الشعر العربي من اغراضه التقليدية البدوية وتصوراته القبلية الى اغراض جديدة، تنسجم مع متطلبات العصر واتجاهاته المدنية الحديثة. ولقد تشعبت الاراء في البحث عن مقومات شعره، فسماه البعض شاعرا ابداعيا رومنطيقيا، وسماه آخرون شاعر العصر، فضلا عن القاب لا تفيد المذهب او المنهج مثل: ” شاعر القطرين. ومع ذلك فان الاجماع يكاد ينعقد على أن مطران يعتبر رائدًا للمدرسة الجديدة في الشعر العربي المعاصر.

 والجدير بالذكر أن خليل مطران يجمع بين الروح الحديثة في الشعر والمحافظة على الاصول القديمة في اللغة والتعبير. اراد التجديد بمعناه البعيد، معتبرًا التفكير منبع الابتكار. كما اراد التجديد في الشعر وبذل ما بذل من جهد عن عقيدة راسخة في نفسه، وهي انه في الشعر، كما في النثر، شرط لبقاء اللغة حية نامية. على انه اضطر لمراعاة الاحوال التي جفت بها نشأته، فحرص على الا يفاجىء الناس بكل ما يجيش في خاطره، وخصوصًا ألا يفاجئهم بالصورة التي كان يفضلها للتعبير لو كان طليقا. فجارى العتيق في الصورة بقدر ما وسعه جهده وتضلعه في الاصول واطلاعه على مختلف الفصحاء. وتحرر منه، وهو في الظاهر يتابعه بنوع خاص من الوصف والتصوير ومتابعة الفرص. يريد ان يكون شعرنا مرآة صادقة لعصرنا في مختلف انواع رقيه. يريد كما تغير كل شيء في الدنيا، ان يتغير شعرنا، مع بقائه شرقيا، وعربيا. وهذا ليس باعجاز.

 مذهبه الشعري

جاء خليل مطران بمذهب الحرية الفنية التي تحترم شخصية الفنان واستقلال الفن عن الصناعة والبهارج والاناقة الزخرفية، التي لا يحتمها الجمال المطبوع وأصالة الفن. وقد دعم شاعرنا وحدة القصيدة وشخصية الفنان وعزز رسالته كما تدعم الديمقراطية حقوق الانسان. وفتح باب الحياة على مصراعيه كما أفسح له آفاق الخيال، وابرز له كل شيء في هذا الوجود، صغيرا كان أم كبيرا، كموضوع شعري خليق بعنايته، واهل للتناول الفني اذا ما استطاع الشاعر ان يتجاوب معه، وحبب اليه الموضوعات الانسانيه بدل الاقتصار على العواطف الذاتية فحسب، واقنع شعراء مدرسته بان على كل منهم رسالة مثالية لا بد له من ادائها، وليست وظيفة الشاعر أن يكون نظاما لغويا او بين المرتلين الانتهازيين، بل عليه ان يكون بين زعماء الفكر ورسل الوجدان”. 

كان مطران محبا للحرية مجاهرا بذلك، ظل حب الحرية ساريا في دمه، كما ظل كره الاستبداد شديدا في نفسه، فكان همه نشر هذا الحب وهذا الكره في النفوس، كشاعر انساني غايته أن يوجِّه مواطنيه نحو الحياة المثلى، وقد اعرب عن خنوع أمته، وعدم انتفاضتها بوجه المعتدين، حيث يقول: “اني منيت بامة مخمورة من ذلها ولها القناعة مشرب/لا الظلم يغضبهم ولو اودى بهم اهتز شانا امة لا تغضب؟”.

رومانسيته

اخذ مطران بالرومانسية التي أُعجب بها من قراءاته للشعراء الفرنسيين امثال: لامارتين والفرد دو موسه. وهناك ظاهرة يجب ان نلتفت اليها وهي أن مطران، الذي سافر الى فرنسا، كان قد درس الفرنسية واتقنها. وأحب شاعرنا الرومانسي الجمال وجعله غاية، ووجد الشر في العالم والفساد في المجتمع، لهذا نقم على هذا العالم وثار على المجتمع، فعاش في يأس وألم.

 والواقع أن طبيعة خليل مطران الشعرية تستند إلى الخيال اكثر من استنادها الى الاحساس المباشر، فالخيال هو الذي يثير عاطفته في قصائده القصصية، وفي رجوعه الى الطبيعة كان من تاثيره بدعوة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، وبفكرة حلول الله في الطبيعة التي قال بها الفيلسوف سبينوزا.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *