نساء رائدات… السيدة الولية الصالحة المجاهدة عائشة البشناتية

Views: 1201

ماجد الدرويش

يعشق الطرابلسيون قصص البطولة، ويهيمون بها طربا، ويكرمون أصحابها أيما تكريم. فكيف إذا ارتبطت قصص البطولة بتحرير البلاد من المحتلين؟

فمن الشخصيات التاريخية التي لها مكانة كبيرة جدا في الموروث الثقافي الشعبي الطرابلسي، المجاهدة عائشة البشناتية، التي ارتبط اسمها بمقارعة الفرنجة الذين احتلوا طرابلس الشام عام 502ه/ 1109م، ومن يومها نشأت مقاومة كانت تقوى وتضعف بحسب الظروف، إلى أن تمكن السلطان المنصور قلاوون من تحريرها سنة 688ه / 1271م.

وخلال فترة الاحتلال لمع اسم في الموروث الشعبي عند الطرابلسيين، هو اسم المجاهدة عائشة البشناتية التي عاصرت الملك الظاهر بيبرس، وذكر اسمها في السيرة الشعبية التي كتبت عنه، ولم أجد لها ذكرا في كتب التاريخ التي دونت أحداث تلك الفترة، لكنها ذكرت، وبخاصة قبرها، في وثائق الأوقاف العائدة لطرابلس الشام.

 ففي مقال له حول (أوقاف سعد الدين باشا العظم في طرابلس ونواحيها) نشر في مجلة مجمع اللغة العربية في دمشق، المجلد (79) الجزء (1) من ص (39) حتى ص (70)، وهو الجزء الثاني، يذكر أستاذنا المؤرخ الدكتور عمر عبد السلام التدمري حفظه الله تعالى الحجج العائدة لأوقاف سعد الدين باشا العظم، المتوفى سنة 1762م والذي كان واليا لصيدا من قبل العثمانيين، في طرابلس الشام، وفي بعضها يظهر اسم الولية الصالحة عايشة البشناتية، حيث جعل البستان الذي يقع فيه قبرها علامة لتحديد مساحة العقار، ومما جاء في الوثيقة: 

«جميع الجنينة مع ما يتبعها من الرَبْوَة [المعروفة اليوم بمنطقة التل وفيها مقهى التل العليا] الآخذة إلى حدود بستان الزهرية الكاينة في القرب من مقام عايشة البِشِنّاتيّة، الصالحة الوليّة ظاهر طرابلس المحميّة، وتُعرف بالكسارة المشتملة على أصول الليمون والتفاح والفِرصاد (التوت)، المحدودة قِبلةً جنينة بيد الرُهبان، وتمامه كسارة بيد السيد عبد المعطي مطرجي زاده، وشرقًا مقام عائشة البشنّاتية، والطريق».

كما ورد ذكر (مقام السيدة عائشة البشناتية) في مجموعة من الوثائق الوقفية، غير التي ذكرها أستاذنا الدكتور تدمري، منها هذه الوثيقة الوقفية التي أمدني بها، وبالصور المرفقة، مهندس دائرة أوقاف طرابلس الأستاذ حازم عيش جزاه الله خيرا، حيث ورد فيها اسم مقام السيدة عايشة البشناتية، (ضمن الإطار)، وأنه ضمن بستان في منطقة الزاهرية، وتعود هذه الوثيقة إلى سنة 1222ه.

ومكان المقام اليوم طريق معبد عن يمين النازل من شارع الكنائس باتجاه خان العسكر، وعن شماله إلاية الروم الأرثوذكس، وبعدها جامع الحميدي (التفاحي)، وعند مفترق هذه الطرق يقع العقار (113) حيث كان يوجد بوابة خان العسكر، وداخلها مقام السيدة عائشة البشناتية. 

وجاء ذكر (بوابة عائشة البشناتية) في وثيقة أخرى، وهي كانت إحدى بوابات طرابلس المملوكية، وسميت باسمها تكريما لها، ولأنها كانت قرب مقامها.

 

وكان هذا العقار (البوابة) يطل على مجرى نهر (أبو علي) قاديشا، حيث كان يمر قبل تحويل مجراه بعد طوفة 1956م. وأثناء ترميم ما هدمته الطوفة تم إزالة العقار الذي كان يحوي مقام السيدة الولية الصالحة المجاهدة عائشة البشناتية، رحمها الله تعالى.

وفي مقال له بعنوان (جهاد طرابلس في مواجهة الحملات الصليبية) ضمن مشروع إحياء التراث الوثائقي والثقافي لطرابلس، يذكر الدكتور عبد الغني عماد، رحمه الله تعالى، عائشة البشّناتية، فيقول:

«وهي تنتسب إلى بشّنات (هكذا)، قرية قريبة من بلدة زغرتا، وهي امرأة اشتهرت بشجاعتها وفدائيتها وجهادها ضد الصليبيين، ويتحدث عنها الطرابلسيون بفخر واعتزاز لا يدانيه مفاخرة الفرنسيين ب “جان دارك” وتُروى عنها أعمال بطولية كثيرة في السيرة الشعبية، حتى بات الصليبيون يخشون الخروج من المدينة لسطوتها وشجاعة جنودها، إلى أن استشهدت في إحدى المعارك ضد إفرنج طرابلس التي جرت قرب التل بين الحصن وسور الميناء، ودفنت في أرض المعركة، وكان ضريحها لا يزال قائمًا حتى وقت قريب، اتخذه أهل طرابلس منتزها لهم أيام الأعياد، وللتبرك حيث كان يوجد عين ماء قرب الضريح».

والصحيح أن اسم المنطقة (بشناتا) وهي منطقة عقارية لا قرية، وهي تقع في قضاء المنية-الضنية، وتعتبر واحدة من التقسيمات الإدارية في محافظة لبنان الشمالي، وهي ثالث أكبر مساحة عقارية بعد بقاع صفرين ومربين كما هو مبين في الجدول المنشور من قبل وزارة الداخلية والبلديات لتقسيمات الضنية العقارية.

 

وفيها مغارة تعرف باسم (قلعة عياشة) أي: قلعة عائشة البشناتية، حيث تذكر الأخبار أنها كانت تتخذ منها حصنا لها ولعسكرها الذين كانوا يغيرون على الفرنجة الصليبيين الذين أنشؤوا مملكة لهم في طرابلس (الميناء اليوم). إذ إن كلمة بشناتا تعني المنطقة الجبلية الصخرية الوعرة، وهذا ما اكسبها لقب القلعة.

وقد كتب عنها مقالات، منها لأستاذنا المؤرخ الدكتور عمر تدمري بعنوان (عائشة البشناتية جان دارك طرابلس) نشر في جريدة السفير. ومنها مقال للأستاذ الأديب المعتز بالله مطرجي، نشر في جريدة البيان الطرابلسية، وذكروا أن عائشة البشناتية «بطلة طرابلسية كانت تجاهد ضد الفرنجة الصليبيين أثناء احتلال طرابلس، يرد ذكرها في السيرة الشعبية للظاهر بيبرس مع أخيها حسن البشناتي»، يقول أستاذنا الدكتور تدمري.

ويصفها الأستاذ مطرجي بأنها «كانت من أنبل القادة وأحشم النساء، مشهودة المواقف في البسالة والجرأة والإقدام، كان فيها اعتداد بنفسها كبير، وذكاء عظيم وحصافة، ومهارة وكياسة عالية، ذات غزو وإبلاء، وصاحبة عزم مُبيّت على الإقتصاص من الغاصبين، تتقدم كتائب الرجال وترسم الخطط دفاعًا وهجومًا، وبذلك صار اسمها المفزع المرعد لدى الاعداء المتربصين».

ويضيف أنها خرجت يوما «للتصدي للأعداء أثناء حصارهم الظاهرية او الزاهرية في طرابلس واشتبكت معهم وقتلت مئتي جندي منهم في الطريق المعروفة اليوم بشارع المئتين».

 

ونقل عن أستاذنا المؤرخ الدكتور عمر تدمري أن ضريح عائشة البشناتية كان يتخذ مزارًا ومتنزهًا لأهل طرابلس حيث يقع بظاهر المدينة في حارة النصارى، وقد أزيل في النصف الأول من هذا القرن، وضمت أرضه إلى مدرسة الطليان.

كما ينقل الأستاذ مطرجي عن المؤرخ الشيخ كامل البابا في كتابه (طرابلس عبر التاريخ)، قوله: «إن عائشة كانت حارسة لباب البلد الذي كان بقرب قبرها إلى جانب سبعة من الشهداء، ولها ذكر بالتاريخ عظيم ووقائع مع الإفرنج تكاد لا تصدق، يعاونها أخوها حسن، وقلعتها بقرب بشناتا لم تزل قائمة، وقد مثلت مهاجمتها لقلعة طرابلس بالسينما لبضعة سنين خلت».

ويُروى أن الشيخ عبد الكريم عويضة، توفي سنة 1958 رحمه الله تعالى، جلس قرب ضريح عائشة يبكي نحيبًا عندما همّ العمال بهدم مقامها بغية إحداث بناء جديد لمالكيه الجدد». وهذا يؤكد أن ضريحها أزيل بعد الطوفة.

ولاعتزاز أهل طرابلس بجهادها كتب الأستاذ سعيد تيزاني ابن عم الأستاذ صلاح تيزاني (أبو سليم) مسرحية عنها، قدمت على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس عام 1986م.

 

وجاء في أخبار التاريخ أن شقيقها حسن البشناتي كان مقدما في جيش الظاهر بيبرس، وأنه طارد البرنس بوهيمند السادس أمير طرابلس في الممر القائم بين القلعة وزقاق الرمانة، وأمسك به، وضرب عنقه، وجاء برأسه على درعه، وقدمه إلى الظاهر بيبرس، وكان ذلك في 8 شباط من العام 1274م.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *