طائر الروح

Views: 32

سمر الخوري

قلب في قبضة الزمن…عنوان رواية الأديب عصام الحر.

نصري، بطل الرواية، تعرف إلى منتهى، الفتاة التي رآها نور حياته ومنتهاها. أحبها من أعماق القلب. ولكن المحار لم يطفُ إلى الشطآن، وبقيت اللآلئ في الأعماق، لأسباب وأسباب، إلى أن أتى بحّار آخر، استخرج اللؤلؤ المكنون، وترك في قلب العاشق الولهان سيلا من الهموم والظنون.

وأرخى الليل سدوله على البطل، كما يروي في بداية الفصل الأخير. ليل يشتعل  بنيران اليأس والحسرة والندم. وتبدأ حرقة التذكار، إلى أن ينتهي من الليل ثلثاه، وتظهر النجوم في سماء العاشق الحزين، ويبدأ الترقب بانتظار فجر جديد، من الأمل الخارج من رماد اليأس والظلام.

إنها قصة الفينيق الخارج من رحم الموت والرماد.

إنها قصة الخبيئة التي رواها الصحابي عبد الله ابن مسعود وتتلخص في شخص كان يحيا في ظلمات اليأس إلى أن أشرقت عليه الأنوار الربانية. ويأس  نصري، بطل الرواية، لم ينجلِ الا مع اقتراب الفجر، وإشراقة أنوار القلب بنور رجاء جديد.

عودة إلى دلالات الأسماء في الرواية، يظهر اسمان يحملان دلالات واضحة الأهداف:منتهى ونصري.

يحمل اسم منتهى معنى النهاية نهايةِ الحُبّ والأملِ واليأسِ في آن.

أما نصري فهو مشتق من النصر، وقد انتصر البطل على مشاعره، وعلى حبّه الضائع، وعلى يأسه، بعد مخاض عسير.

في الفصل الأخير من الرواية اختصار لأحداثها. وهي أحداث أبطأ الوصف النفسي حركتها الدرامية، وجعلت القارئ يصاب بالإنهاك وهو يغوص مع بطل القصة، في عالم نفسي يسوده الحزن والضياع. (Xanax)

عناصر الطبيعة كان لها دلالات رمزية. فالليل رمز اليأس والحزن حتى الموت، يرخي سدوله ويضيّق الخناق على واقع البطل وعلى أحلامه. إنه ليل يشبه ليل الشاعر الجاهلي امرئ القيس الذي قال فيه:

ولَـيْـلٍ كَـمَـوْجِ الـبَـحْـرِ أَرْخَـى سُـدُوْلَــهُ

عَــلَـيَّ بِـأَنْـوَاعِ الـهُــمُــوْمِ لِــيَــبْــتَــلِـي

فيه نفس جبراني رومنسي تسيطر عليه المأساة الإغريقية:

في ظلام الليل أناديكم هل تسمعون مات أهلي وعيونهم محدقة في سواد السماء…

ولكن الرمز الديني هو الطاغي بدلالاته الصوفية الإشراقية. يقول ابن مسعود:

“إذا أرخى الليل سدوله، وسحب الظلام في الكون ذيوله، إذا أقبلت عساكر الليل، وخفقت رايات الظلام، إذا غارت النجوم، إذا أغلقت الأبواب ، إذا هدأت الأصوات، إذا سكنت الأنفاس، إذا غاب الناس …

هناك الابتلاء العظيم، هناك الامتحان الجسيم”

وابتلاء الأديب الحر ظهر نتيجة صراعه وليل همومه والحرمان من أمله الوحيد، في الحصول على حبّ حياته. وكان على مفترق طريقين: الانتحار أو اتخاذ قرار بتغيير المسار. وقد نجح في الامتحان العسير، حين نجح في تجاوز مأساته ، وعاد إليه الأمل بالحياة.

الأديب عصام الحر

 

كان الأديب عصام الحر أمام حبيبين لا ثالث لهما: الموت والحياة. وقد اختار الحبيب الثاني.

سيدي الأديب الحر، ثمة جوانب في روايتك تتجاوز الواقع وتباريحه إلى عالم سوداويّ نفسيّ مبالغ فيه. ولكن، أليست الحياة بتشعباتها أكثر إيلاما في واقعها من الخيال؟

يمكن وصف الرواية بأنها رحلة فلسفية في عمق الذات. والذات أمّارة بالسوء والظنون إلى أن تجد حقيقتها الافتراضيّة فتكتشف سرابية وجودها، وتوقها الأزلي الفرح. وما النجوم الا بوارق هذا الأمل البعيد الذي يرمز إلى الفردوس المفقود، في الجنة السماويّة.

أبعد من الدلالة العادية لليل واليأس والحب الضائع، يمكن أن تحمل الرواية بعدا فلسفيا يتمثل في الموقف السلبيّ من الحياة؛ لأنها عالم الأحزان ووادي الدموع. ولا ينتهي الحزن، أو ينحسر الدمع إلا عبر بصيص أمل بعيد، هو الموت، الفجر الذي ينبّه الإنسان من غفلته، وفي ذلك تأكيد قول الإمام علي بن أبي طالب:

الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا

فالموت هو الفجر الجديد والحياة الجديدة التي تنتهي بها رحلة الحياة، انه صحوة الموت. أما الطائر الذي يودّعه الأديب في عنوان اخر فصل في  الرواية، فهو  الروح، طائر الفينيق الذي ينهض من الرماد، في قيامته الأبدية.

هي تأويلات حاولت إضافتها إلى روحانيّة النص الأدبي، المثقل بالثقافتين العربيۃ والإسلامية، بحثا عن إبداع جديد، عن حقيقة وجودية جديدة، لا تطفئها ظلمات الحياة أو عبثية القدر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *