حليم الرومي…  “باني” هوية الأغنية اللبنانية

Views: 868

سليمان بختي

حليم الرومي (1919-1983) الملحن والمطرب والموسيقار اللبناني لا يزال يحرّضنا على الغناء وعلى الجملة الموسيقية المسكوبة بقوة ونقاء وطرب. حليم الرومي هو نتاج فني وثقافي لهذه المنطقة من الشرق: لبنان وفلسطين ومصر وبقي وفياً لهذا المثلث الجميل.

 من مواليد مدينة صور (جنوب لبنان) انتقلت العائلة إلى حيفا في فلسطين وكان في عمر السنتين. التحق بالمعهد الموسيقي في حيفا وهو في سن اليفاع. عمل في إذاعة الشرق الأدنى في حيفا كمطرب وملحن وعازف واعتمدته الإذاعة الفنان الأول في كل المناسبات والاحتفالات.

حاز جائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني. تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى وساهم في تأسيسها وتنظيمها وتفعيلها حتى غدت رائدة الإذاعات في الشرق الأوسط.

 

تزوّج ماري لطفي الفلسطينية الأصل وأنجب منها عوض ومها ومنى و”ماجدة” المطربة اللامعة والقديرة.

بدأ نجمه يلمع كفنان في 1935 وشارك في بعض الحفلات الخاصة والمهرجانات والأمسيات والمسارح في حيفا.

غنّى عام 1936 في لبنان إلى جانب بعض المطربين اللبنانيين مثل وديع الصافي ولور دكاش. وفي لبنان سمعه منير دلّة وأعجب بصوته وأدائه وساعده للانتقال إلى مصر والدخول في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة وكان ذلك عام 1937.

أتمّ تحصيل علومه الموسيقية خلال سنتين بدلاً من ست سنوات وحاز على الدبلوم سنة 1939. وسجّل في ذلك سابقة وعلامة فارقة في تاريخ المعهد. وقبل تخرّجه قدّم أولى حفلاته في الإذاعة المصرية سنة 1938. وكان يطلق على نفسه في ذلك الوقت لقب “الفنان المجهول”، ونبع ذلك من حرصه ومسؤوليته وخوفه من الفشل. ولكن النجاح كان حليفه فنياً وشعبياً وكشف عن اسمه الحقيقي وشهد نشاطه توسّعاً في الإذاعة والمسارح والاستعراضات كمطرب وملحّن، وكوّن لنفسه شخصية فنية خاصة ومميّزة شهد له فيها الفنانون المصريون في تلك الفترة حتى لقّب بـ”خليفة أم كلثوم” لأدائه المميّز والدقيق.

تعرّف في العام 1945 بالمنتج السينمائي المعروف ابراهيم وردة وعرض عليه التعاون في فيلمين سينمائيين “مصنع الزوجات” و”قمر 14″. ولم يوفّق في السينما. ولكنه لحّن بعض أغاني فيلمين هما “صلاح الدين الأيوبي” و”قمر 14″. كان حليم الرومي أول من لحّن قصيدة “إرادة الحياة” لأبي القاسم الشابي. وتدفّقت ألحانه في القصائد والموشحات والأغاني الشعبية الطربية الراقية تلحيناً وصوتاً وتوزيعاً.

عام 1950 قصد حليم الرومي لبنان لقضاء شهر العسل فعرض عليه العمل في الإذاعة اللبنانية لفترة قصيرة (عقد عمل لثلاثة أشهر فقط) وكان مصمّماً العودة إلى إذاعة الشرق الأدنى في قبرص. وكانت مهمته في الإذاعة اللبنانية إعادة التأسيس وتنظيم القسم الموسيقي واستبقته الأقدار في الإذاعة اللبنانية من العام 1950 لغاية 1979 رئيساً لقسم الموسيقى ثم رئيساً لقسم مكتبة التسجيلات.

 

 كان حارساً للهيكل في الإذاعة اللبنانية وعمل جاهداً لرفع مستوى الأغنية اللبنانية وبناء هويتها على أسس متينة كانت الركيزة الأساسية في تطوير الإذاعة اللبنانية وازدهارها. وفي “تأسيس الفرقة الموسيقية التابعة للإذاعة اللبنانية” وكان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يطمئن لتسجيلات ألحانه مع الفرقة في بيروت لثقته بقدرة حليم الرومي وإشرافه ومستواه الرفيع والرصين.

 اكتشف صوت فيروز في الإذاعة وخيّرها بالاسم الفني بين شهرزاد وفيروز واختارت. وغنى معها دويتو “ورد” ومن ألحانه. ثم قدمها إلى الأخوين رحباني ليدخل تاريخ الغناء في الشرق في مغامرة مختلفة. وكان له الدور في إطلاق ودعم عدد كبير من المطربين والفنانين نذكر منهم وديع الصافي ونصري شمس الدين وسعاد محمد وفايزة احمد ونازك وملحم بركات وغيرهم.

شارك في مؤتمر الربع صوت في الموسيقى العربية الذي عقد في لبنان بدعوة من وزارة التربية عام 1956 وترأّس المؤتمر الموسيقار التشيكي الويس هابا كما شارك في المؤتمر الاخوين رحباني وتوفيق سكر وألكسي بطرس وبوغوس جلاليان وصبري الشريف وغيرهم.

نال حليم الرومي العديد من الجوائز ومنها الجائزة الأولى في مسابقة تلحين الموشحات الأندلسية التي نظّمها مجمّع الموسيقى العربية (تونس 1972) ولحّن الموشحات التالية: “يرنو بطرف فاتر” (وكان عنوان هذا الموشح هو عنوان كتاب أصدره الأب بديع الحاج عن حليم الرومي وانجازاته وأعماله 2017)؛ “يا أهل الحي” (كلمات ابن زمرك) و”وجب الشكر علينا” (كلمات الشاعر ابن الخطيب) وجمع في ألحانه الأسلوب المصري والأسلوب الحلبي.

 بلغت ألحانه الموسيقية والغنائية حوالي ألفي عمل منها خمسمائة وخمسون للإذاعة اللبنانية وحدها أذيعت على الهواء بصوته أو أصوات أجمل المطربين اللبنانيين والعرب. تميّزت أعماله بمجملها بالعمق والأصالة الفنية وخصوصاً القصائد والموشحات والأوبريتات وأهمها قصائد “إرادة الشعب” و”ومضة على ضفاف النيل” و”عطر” و”غني” و”البحيرة” وموشحات “غلب الوجد عليه فبكى” وأوبريتات “القطرات الثلاث” و”مجنون ليلى” و”أبو الزلف”، وأغاني “لا تغضبي” و”سلوى” (كلمات الاخوين رحباني) و”هنا تقابلنا سوى”. وبرأي المايسترو أندريه الحاج أن ألحان حليم الرومي تقع في المنطقة الوسطى بين عبد الوهاب وفريد الأطرش.

 

يبقى أن شعلته الفنية لبثت متوهّجة وأكملت مسيرته ابنته المطربة “ماجدة” وغنّت من ألحانه “العيد عيد العالم يا أمهات” و”لبنان قلبي” (كلمات هنري زغيب) وأعادت تسجيل بعض ألحانه بتوزيع حديث وقد لقّب حليم الرومي صوت “ماجدة” بصوت “السلام والمستقبل”.

تدهورت أوضاعه الصحية بسبب مرض السكري وتوفّي 1 تشرين الثاني 1983 وارتفعت الروح إلى صدى الألحان وانضمّ إلى قافلة المبدعين الكبار الذين كرّسوا حياتهم وعطاءاتهم وإنجازاتهم للبنان.

لا تكفي التحيّة ولا الذكرى، في السنة الأولى بعد مئويته، ولكن إعادة الاعتبار تكون في نشر أعماله وتحقيق مؤتمر موسيقى لبناني عربي وعالمي يتناول أعماله. واصدار طابع تذكاري للمناسبة وإطلاق اسمه على فرقة الإذاعة الموسيقية وإقامة نصب تذكاري له في ساحة الإذاعة أو في المعهد الوطني للموسيقى.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *