العذراء أم الكون في تجليات الألوهة

Views: 412

أنطوان يزبك

 

إذ تضرّعت إلى مريم العذراء في وقت التجربة؛ فستأتي حالا لمساعدتك وسيهرب الشيطان (خوري آرس جان ماري فياني).

 

رضيع في مذود، قربه ثغاء حمل وديع، ينظر بعيني البركة والصفاء والرفعة إلى وجه أمّه: ابتسامة فائقة الروعة، حنان ونقاء أبعد من حدود الزمان والمكان… هل من تجليات  لمعاني التقاء السماء بالأرض أبعد من هذه اللحظة البالغة السمو؟

في مغارة بيت لحم ثمة ما يتخطى العقل والمادة، المحسوس واللامحسوس، الصمت والكلام، الزمن والمسافة وكل مقياس أرضي!!

علاقة الأم بالابن، والدة الإله، الثيوطوكوس؛ بهاء ما بعده بهاء، نور ساطع، يحاول كثر شرحه ولم يهتدوا إلى تفسير.

يقول القديس يوحنا الدمشقي (675-749): “فحينئذ ظللها حكمة الله العلي… وكوّن لذاته من دمائها النقيّة الكليّة الطهر جسدًا ذا نفس عاقلة… ومنذ الأزل، ارتضى الآب أن تصير مريم أمًا لابنه الوحيد والروح القدس حلّ عليها ليرفعها ويقدّسها…”

مار أفرام السرياني

 

مار أفرام السرياني (303- 373) تغنّى بأمومة العذراء ليسوع في أناشيد بالغة العذوبة مظهرًا علاقة الأم بالطفل، فنقرأ في أناشيد الميلاد (14- 15):

“كيف أغذيك بالحليب أنت الينبوع،

وكيف اطعم من يطعم كلّ البرايا!

وكيف اقرب من وجنتيك

أنت المتشح بالجلال”.

في هذه الأناشيد يتجلى اللاهوت المسيحي بأبهى تجلياته، نسمع تعاليم السماء في صورة الأرض، وهل أفضل من العذراء مريم لفهم تعاليم الله؟

أعطى مار أفرام السرياني الأفكار اللاهوتية الأساسية حول مريم، ففي يسوع ومريم لا خطيئة ولا بشاعة  المتحكمين بالبشر.

بحسب كتاب “مريم العذراء في الكنيسة المارونية” للمطران بطرس الجميّل صفحة 51، حددت رؤية مار أفرام السرياني مريم في ثلاثة أفكار أساسية:

-أمّ الرب

-الدائمة البتوليّة

-حوّاء الجديدة.

 

من يدرك أهمية مريم العذراء في الإيمان المسيحي عليه تعلّم كيفية التقرّب من الطهر المريمي. البشر مشوبون بالأسقام النفسية والعلل، ولا يستطع أحد الادعاء بأنه خالٍ من العاهات والمثالب والخطايا والتصرفات الناقصة والمؤذية بل القاتلة. وحده رمز بتولية العذراء مريم وطهرها من الدنس والخطيئة، مشكاة  تشكّل دربًا مضيئة للوصول إلى الرب.

لا بد من التيقّن من أن  ما يرتبط بتكريم مريم العذراء لا علاقة له بالتفريط بعبادة الله، فالعبادة تختص بالله وحده فيما تكريم مريم العذراء أحد سبل الخلاص والتقرّب إلى الله.

في ظل آلاف الكتب والشروحات التي تتبحّر في دراسة أهمية مريم، ليس الغرض من مقالتي تكرار ما ورد في بطون الكتب إنما ذكر كل ما بإمكانه إضفاء الجمال حيث القبح وإشعال ملايين المصابيح حيث الظلمة ونشر الفرح حيث الألم والأحزان الرابضة على صدور الناس كما شواهد القبور الثقيلة الكالحة المربدة!

في حضورها مع الرسل في العلية حينما انطلقت الكنيسة، اتحد وجه مريم أم الله مع مريم أم الكنيسة…

 

من أجمل الصفحات الأدبية ما كتب جان بول سارتر في مسرحية “باريونا” Bariona (فصل وحيد):

“العذراء شاحبة

وإلى الطفل تنظر

وما يتعيّن رسمه على وجهها

عجب ولهفة متمازجان،

للمرة الأولى في وجه إنسان

ذلك لأن المسيح ابنها

فلذة كبدها

وثمرة أحشائها

(…)

حتى لتنسى أنه الله

فتشدّه بين ذراعيها

وتقول: يا صغيري!

وفي هنيهات تكبت عاطفتها

وتفكّر: الله هو هنا

(…)

هذا الإله هو ابني

هذا الجسد الإلهي هو جسدي

فيَّ تكوّن، وله عيناي،

وشكل ثغره هذا

إنما هو شكل ثغري،

فهو يشبهني.

هو الله وهو يشبهني…

وما من امرأة في العالم

أعطي لها هكذا

الهها لها وحدها.

***

مراجع

-كتاب “العذراء مريم من الناصرة إلى بشوات” الأب جورج رحمة الأنطوني وأنطوان عبيد منشورات اليوبيل المئوي للمعهد الأنطوني (1906- 2006).

-كتاب “مريم العذراء في الكنيسة المارونية” المطران بطرس الجميّل.

 

 

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *