محمد مهدي الجواهري (1899-1997)… ثائر ومتمرد سخّر شعره لقضايا الأمّة العربية

Views: 536

سليمان بختي

محمد مهدي الجواهري (1899-1997) هو الشاعر العراقي الكبير الذي عبّر بقصائده عن أحاسيس الأمة وأمانيها الوطنية والقومية والاجتماعية.

يعتبر من أهم الشعراء العرب في القرن العشرين. تميّزت قصائده باعتمادها عمود الشعر التقليدي على جمال ديباجة وجزالة نسيج. كما تميزت أيضاً بالثورة على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية في العراق والعالم العربي.

 في قصائده السياسية يربط الحاضر بالماضي والمستقبل، ويعكس صورة صادقة لما يتأثر به من حالات وظروف وشروط.

عاش متنقلاً في البلاد العربية واوروبا. هو ابن الفراتين وأبو فرات (اسم بكرهِ) وهو كتب: “يا ابن الفراتين من اصغى لك البعد/ زعماً بأنك فيها الصادح الغرد”/ وعن ابنه فرات كتب: “فرات أقرب كل الناس بي ولعاً/ فيما أحب تبناه منك الولع”.

ولد الجواهري عام 1899 في النجف (وهذه السنة هي السنة الـ121 لولادته). تحدر من اسرة عريقة في الفقه والأدب والشعر. كان والده يعده لتبوؤ مركز ديني وفرض عليه حفظ القرآن وخطب نهج البلاغة وديوان المتنبي ومواد كتاب سليم صادر في الجغرافيا. فإذا حفظها يخرج للعب مع أترابه. هذا الاستعداد جعله ينظم الشعر في سن مبكرة.

 

 

نشر أول قصيدة له في 1921. غادر النجف إلى بغداد عام 1928 ليعمل في التعليم ولكنه استقال وعيّن في التشريفات الملكية للملك فيصل الأول. صدر ديوانه “بين الشعور والعاطفة” (1928) وكانت مجموعته الأولى قد أعدّت للنشر منذ عام 1924 وكانت بعنوان “خواطر الشعر في الوطن والحب”. وسبقها “حلبة الأدب” وهو مجموعة معارضات لمشاهير شعراء عصره مثل أحمد شوقي وايليا أبو ماضي وغيرهم.

 استقال من ديوان التشريفات عام 1930 ويقال بسبب قصيدته “جربيني” لما تحمل من تحدّ للمجتمع والعادات والتقاليد. دخل عالم الصحافة مؤسساً جريدته الأولى “الفرات”. ولكن بعد صدور عشرين عدداً منها ألغي امتيازها.

 عاد إلى التعليم ولكنه لم يتوقف عن نقده للسلطات والأوضاع الاجتماعية في قصائده التي كانت تنشرها كبريات الصحف في العراق وخارجه. أحيل إلى مجلس الانضباط واستقال من التعليم ليعود إلى الصحافة مجدداً.

اصدر عام 1935 ديوانه الثاني “ديوان الجواهري” واصدر عام 1936 جريدته “الانقلاب” مستبشراً بانقلاب بكر صدقي. راح يعارض سياسة الحكم وانحراف الانقلاب عن أهدافه فحكم عليه بالسجن وأوقفت جريدته. إثر خروجه من السجن بعد سقوط الانقلاب، اصدر جريدته الشهيرة “الرأي العام” وكان نصيبها الإقفال مع غيرها من الجرائد التي اصدرها مثل “الثبات” و”الجهاد” و”العصور”.

دخل إلى المجلس النيابي عام 1947 ليستقيل بعد أشهر مع عدد من النواب احتجاجاً على معاهدة بورتموث الاستعمارية مع بريطانيا والتي استشهد فيها شقيقه الأصغر جعفر. كان من المؤسسين لحركة السلام العالمي مع بيكاسو ونيرودا وجوليو كوري. أقام في باريس ردحاً بعد عودته من المؤتمر وهناك كانت أنيتا إحدى ملاحمه العاطفية الشعرية الرائعة.

 في العام 1950 دعاه طه حسين (عميد الأدب العربي) ووزير المعارف لحضور مؤتمر المثقفين في الإسكندرية وأعلن أن الجواهري هو ضيف مصر. هذه البادرة جعلته يقيم في القاهرة قرابة عام ليعود بعدها إلى العراق.

عام 1951 دعي إلى الحفل التأبيني لدولة الرئيس عبد الحميد كرامي في بيروت وبعد إلقاء قصيدته المشهورة “باقٍ واعمار الطغاة قصار” وفيها: المجد أن يحميك مجدك كله/ لا شُرَطٌ ولا أمصارُ. طلبت منه السلطات اللبنانية مغادرة لبنان خلال 24 ساعة وليظل ممنوعاً عليه دخول لبنان. ولم يزره إلا مرتين ولفترة قصيرة وبتصريح خاص.

عاد إلى العراق واصدر مجدداً “الثبات” و”الجهاد” و”الرأي العام” فأغلقتها السلطات وعطّلتها واعتقلته عام 1952 إثر انتفاضة تشرين. اعتكف كمزارع في مقاطعة ريفية مبتعداً عن أجواء الصراع السياسي. ولم يدم ذلك طويلاً فقد دعي للمشاركة في حفل تأبين عدنان المالكي في دمشق عام 1956 وألقى قصيدة تنتقد أوضاع العراق ومع انتهاء القصيدة مُنح المزارع – الشاعر الجواهري حق اللجوء السياسي. عمل في دمشق في إدارة تحرير مجلة “الجندي” التابعة للقوات المسلحة السورية.

وبعد عام ونصف عاد إلى العراق وتمّ استدعاؤه بتهمة المشاركة في قلب نظام الحكم وردّ على التهمة مستهزئاً: “لماذا اشترك مع الآخرين وأنا استطيع قلب النظام بلساني وشعري”. وأطلق سراحه بعد ساعات.

إثر ثورة 1958 عاد إلى معترك الصحافة والسياسة مؤيّداً خطوات الثورة. كما انتخب رئيساً لاتحاد الأدباء العراقيين ونقيباً لأول نقابة صحافة. ولما بدأ مسار الثورة بالانحراف تصدى الجواهري لذلك بعدة مقالات جرّت عليه غضب السلطة وعرّضته لمختلف الإيذاءات والمضايقات.

انتهز عودته لتكريم الأخطل الصغير في لبنان عام 1961 ليغادر العراق ويحلّ ضيفاً على اتحاد الأدباء التشيكوسلوفاكي وطلب اللجوء السياسي.

صدر في العام 1961 جزءان من أربعة لديوان “الجواهري”. كما صدر في العام 1965 ديوان “بريد الغربة” في براغ.

 في نهاية عام 1968 عاد إلى الوطن بعد غربةٍ دامت سبع سنوات واستقبل استقبالاً جماهيرياً حافلاً. وصدر عام 1965 الجزء الأول من أعماله الكاملة عن دار الطليعة في بيروت وصدر الجزء الثاني عام 1969. وصدرت عام 1971 رائعتان “أيها الأرق” و”خلجات”. كما منح في العام 1975 جائزة اللوتس.

 

 وفي العام 1979 كان له موعد مغادرة أخيرة للعراق هو الذي أحبه وكتب فيه “أنا العراق لساني قلبه ودمي/ فراته وكياني منه أشطار”. فقد استنكر محنة العراق ومعاناة شعبه ولم تفلح مختلف الدعوات لعودته.

استقبل عام 1983 للإقامة في سوريا بدعوة من رئيسه حافظ الأسد مكرماً حتى آخر لحظة من حياته. منح عام 1991 جائزة سلطان العويس. وعام 1992 فجع بوفاة زوجته “نصف وطنه” فاعتلّت صحته. منحه الأردن وسام الاستحقاق في السنة نفسها.

وفي العام 1995 كان على موعد مع مناسبتين: الأولى مشاركته في الجنادرية. والثانية الاحتفال التكريمي في مكتبة الأسد وتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة.

في أيامه الأخيرة كان يردّد “الموت معجزة”. وفي 27/7/1997 لفظ انفاسه الأخيرة بعد أن سأل عن أولاده واصدقائه. دفن في مقبرة الغرباء في منطقة السيدة زينب، دمشق وعلى قبره نحتت خارطة العراق وتحتها محفورة أبيات دجلة الخير:

حييت سفحك عن بعد فحييني   يا دجلة الخير يا أم البساتين

ويقرأ الزائر أيضاً: هنا وبعيداً عن “دجلة الخير” يرقد الشاعر محمد مهدي الجواهري.

وفي العام 2000 صدر ديوان الجواهري كاملاً في طبعة كاملة منقحة في خمسة مجلدات.

ويظلّ الجواهري بعد 121 عامًا على ولادته باقيًا في القصيدة والشعر والثقافة والتاريخ، أما اعمار حكّام وأمراء عصره فكانت كأعمار الطغاة قصار قصار.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *