يا ولدي

Views: 317

د. جان توما

 

أحكي لك يا ولدي قبل أن تنامَ عن ذلك الظلّ الذي تركَ صاحبَه وضاعَ في دروبِ العمر المُتعِب.

كان الظلّ فرحًا، يرسمُ شكلَ صاحبِه حسب زاوية الشمس وضوء القمر . كان الظلّ مؤمنًا أنّه هو الأصل، وأنّ الجسدَ الهشّ الذي يرافقه كسرته متاعبُ الحياة وتكاليفُ العيش، فيما هو ظلّ بلا ملامح، لا يترك أثرًا لخطواته،ولا يتهاوى تعبًا، بل يتألقُ كلّما ضوّأ في العالم مصباحٌ جديدْ.

راحَ الظلُّ يا ولدي لما انطفأتْ أنوار ُالعالم، إذ ضاعَ بين الأصلِ وظلّه، بين وجهَيّ الضوء، وبين حدّي لهبِ النار. حين يسقطُ الوطن يا ولدي عند الرصيف الذي نفترشه أنا وأنت، اِعلم أننا نحن الوطن، الأصل والظلّ، العتم والنور، الماء والنار، نحن يا ولدي على كتف التراب، وأنت على كتفي، والوطن لا يجد كتفًا يتكئ عليه.

أحكي لك يا ولدي قصةً قبل أن تنام. كان رغيفُ الخيز يأتينا من جوف النار، فصرنا في جوف النار بلا خبز. كانت نافذةُ دارِنا تطلُّ على الثلج والبحر، فصرنا نافذةً للعالم بانكسارنا وجوعنا واحتراقنا. خرجَ الظلّ يا ولدي ولم يعد. تاهَ في فيافي الأسئلة التي لا أجوبة عنها. ضاعَ التاريخُ يوم ضاعتِ الأصول. صار ظلّنا بلا شروش ولا جذور.

نَمْ يا ولدي نَمْ، فلا حمام لنذبحه، ولا ضحكة ترتسم على الوجوه. غمر الوجعُ مفاصلَ الوطن، نَمْ لربّما تخترقُ بأحلامِكَ وادي الظلالِ إلى تلالِ الحياة.

***

(*) اللوحة للفنان محمد عزيزة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *