قيثارةٌ تنهضُ من حُطام!

Views: 686

د. ربيعة أبي فاضل

إنّ الشّخصيّات في روايتكِ “حُطام القدر”، لا تختلف عن النّبت المتكسّر، والشّجر اليابس، لكنّكِ، حوّلتِ نصَّكِ إلى قيثارةٍ أَحبَّها جبران، وهو يحدّثُ مي زيادة، قال إنّها بارتعاشاتِها السحريّة، جعلَتِ الحجارةَ شُعَلًا متّقدة، والأغصانَ اليابسةَ أجنحةً مضطربة. ولا شكّ في أنّكِ، قبلَ الكتابة، استحضرْتِ روحَ أورفيوس، كي يرحلَ نحوَ الأعماقِ لينقذَكِ من الطّينِ البارد، والعتمةِ وصقيعِها، فألبسْتِ اسمَكِ الأسماءَ، واستعرْتِ لدوركِ الأدوار، وكنتِ البطلةَ التي تملكُ أسرارَ الرّحلة، والألم، والسّخرية، والحلم، وحسرةَ النّظر إلى الوراء، وغربةَ تطلّعِ الدّهرِ الآتي الملتبس!

وإذا شاءَ القارئُ أنْ يقارنَ روحَكِ بروحِ مي زيادة، كما يحلو لي كلّما قرأْتُ لكِ نصًّا، فهي وُلدَتْ في بلد، وأبوها منْ بلد، وأمُّها من بلد، وتوطّنَت في بلد، ورأَتْ أنَّ أشباحَ نفسِها راحَت تتنقّلُ من بلدٍ إلى بلد…

د. جيهان الفغالي

 

وظلّت طوالَ حياتِها، تترجّحُ ما بينَ “ظلماتٍ وأشعّة”، ولمْ تجدْ وحدتَها، أو انسجامَها، أو طمأنينتَها، سواء في الصّحافة، أم في المطارحات الثقافيّة، أم في تنوّعِ الانفتاح، وجَبْهِ هُبوبِ الرّياح… أم في ما سُمّيَ الحبّ، الذي يكادُ يشبهُ الدّخان، يتلاشى في الزّمان، ويتشتّتُ في المكان، فلا أمان، ولا طمأنينةَ لدى الأبعدين كما لدى الأقربين. وهذا لسانُ حالِ صديقةِ القدر، برغم أنّه جعلَها حُطامًا:كيف لها هي التي تملكُ قلبَ طفلٍ أنْ تواجهَ هذه المجتمعات، وتلك القوانينَ الفاسدة؟، وأن تحوّلَ حطام الدّنيا إلى قيامة، وابتسامة؟

وقيلَ إنّ مَي كانت حييّةً في الكتابة، ذكيّةً في الأحاديث، شرقيّةَ الرّوح، والمزاج… هكذا بدَتْ كاتبةُ هذه الرواية، شرقيّةَ الطّبع، حييّةً في الحياة، لكنّها تختلفُ في النصّ، لكونها راكمَتْ معاناتها، وتركتْها تنسحبُ على الأمّ والأب، والصّداقة والعشق، والزّواج، والوطن، والمهجر، والحياة والموت، وبدا المقامُ النصّيّ، عندها، فضاءً رحبًا للتأوّه، والثورة، والتمرّد، والنّقد، والتغيير، والتأمّل، ولو وسط مناخٍ صامت، قد يصلُ إلى حدّ القرم، والقطع، والكسر، واستعارة مخالبِ النّسر، وجناحَيه، وصوته القائل: “يا ابن آدم، عِشْ ما شئتَ، فإنّ الموتَ ملاقيك”… إذ يصعبُ على المرأة، وقد حوّلَها المجتمعُ إلى سلعة، وزيّفَ الرجالُ عواطفَها، ومزّقَت الظّروفُ أحلامَها، وباتت مجرّدَ “دمية متحرّكة”… أن تنهضَ توًّا، وتُحدثَ انبعاثًا كاملًا في نمط حياتها… لكنّها أرادَت أن تخطوَ خطوتَها الأولى، كي لا يصيبَها ما أصابَ امرأة وليّ الدّين يكن، في رحلتها المأسويّة، من قبر أبيها إلى قبر زوجها، إلى القبور المنتشرة بين أشباهِ الأحياء!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *