قراءۃ في قصة “يقظة الوعي” للشاعرة سحر نبيه حيدر: “ومضة حلم أم يقظة شعر؟”

Views: 1362

د. جوزاف ياغي الجميل

يقظة الوعي… بل يقظة الحلم، حيث تسيل الأفكار على مائدة ذكريات لا متناهية في التفكير.

يقظة الوعي/الحلم قصة للشاعرة سحر نبيه حيدر . هي القصة الومضة في كتاب أطلقت عليه عنوان ومضات.

بين اليقظة والومضات لحظة تتجاوز انتظار غد يشبه غودو: يأتي ولا يأتي. غد يجمع الواقع والحلم على صفحة أمنيات عِذاب.

إنها اليقظة الرحيل الحُلميّ بعدما أصبح الواقع عبئا لا سبيل إلى النجاة من آلامه والآمال. تلجأ بطلة الومضة أو القاصة إلى الهرب إلى الأمام، بحثا عن واقع افتراضيّ لا يشبه صورة خيبتها السابقة.

لماذا تعذّر اللقاء بين الضميرين المنفصلين هي وهو؟ وهل يمكن للحلم أن يدفئ عاريين في ليلة باردة؟ أيكون الموت بديلًا للحب أم منقذًا من لقاء لا يمكن أن يكون؟

ولماذا أصبح الحب حلمًا مستحيلًا يتجاوز قدرة المرأة العاشقة في مجتمع ينكر عليها البوح، ويحرمها نعمة الحرية في اختيار الشريك؟

هي وهو حلم مستحيل. خبر نكرة لضميرين منفصلين يجمع بينهما العطف ووحدة المصير.

هي المبتدأ وهو الشريك التابع لها في حال الرفع، والكبرياء. هي أولًا لأنها حوّاء، أمّ كل حيّ. وهو آدم الذي أغرته بتناول التفاح. أما النقط الثلاث  فتقودنا إلى اختصار علاقة قلبين فصل بينهما بعد قسريّ، لعنة إلهية، بعد المعصية الأولى. والمعصية هنا هي طلب اللقاء، تحت سقف واحد، اسمه الحب. فهل يكون اللقاء مستحيلا لأن آدم قمر وحواء سمكة؟ وهل أصبح الضميران المنفصلان خطين متوازيين لا لقاء بينهما، في الواقع والافتراض؟

أما يقظة الوعي/ الموت فتقودنا إلى الحديث الشريف القائل: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. وفي يقظة البطلة لقاء بالحبيب البعيد الذي لم تستطع لقاءه في غفلة التقاليد التي قيّدت حرّيتها بوصفها امرأة ضيقة الحدود، يسيطر عليها الوجل. فممن تخاف البطلة؟ بل ممَ تخاف؟ وما سبب الوجل؟ أمن الأجل أم من أجل؟

وأين الـ”هناك” ، ذاك المدى الفسيح، حيث الحرية والأمان؟

ترسم الشاعرة في ومضتها صورة المرأة العربية التي تجد الموت ملاذا لها، من الشقاء، وموطن رجاء. وكم كنا نودّها أن تثور على هذا الواقع. أن تطالب بحقها الطبيعي في الحب والحرية والحياة.

عودة إلى شخصيتي القصة. هي الأميرة النائمة. هو الأمير الآتي على صهوة الحلم. والحلم أمل يتجدّد، في كل مساء، وينتهي كما حكايات شهرزاد، في الصباح.

هي تحلم بالوصال. ولكن الحدود المرسومة بينهما أشبه بالنصال.

وهو يزور حلمها الشجي، من وراء الغمام. يغازل بصمته الأزلي نداء شبابها الغض. أيكون، بدوره، أسير عالم الرقاد الدهريّ؟

هي بلا جسد…وإن كان نداء جسدها يقودها إليه في حلم يطول.

وهو يعانق حواسها والإحساس بضجيج صمته، وأريج ريحه، ودفء حنانه…قبل أن ينتهي الحلم، وتسقط خائرة القوى، على عشب صدره، في غفوة الأمنيات العِذاب، وجوعها العَذاب.

سحر نبيه حيدر، شاعرة أنت حتى في نثرك القصصي. تثير فينا صورك عبق الحنين، وألق الحب الممنوع. نسافر معك في الحلم، إلى عالم حوّاء تناجي حبيبها الحلميّ. ولكن حبكتك القصصية لن تخدعنا. فالحبيب المناجى قد لا يكون رجلا ذا جسد. قد يكون الشعر. والشعر حبيب لا يُدرك إلا بالحلم، حلم إبداع يعزف في النفس أناشيد بوح قديم، حدوده اللا حدود، خارج إطار الجسد والمادة. إبداع تظهر تباشيره في “ومضات”. ف”الشعر لمْحٌ تكفي إشارتهُ”، على حد قول البحتري، وشعرك/ القصة ومضة من ومضات شهرزاد، في حديثها الذي لملمت أطراف وعيه شمسُ الصباح.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *