هدى النعماني… امرأة ربما ربما

Views: 888

غابت الشاعرة هدى النعماني وهذا النص كانت تحبّه لأن فيه الأسرار والتجليات. ربما. ربما..

(من كتاب “شوقي أبي شقرا يتذكر”)

 

امرأة ربما ربما 

الخروج من الظاهر إلى غير الظاهر، والدخول في المرئي الذي ليس مرئياً، والبقاء في غلبة الحروف والألفاظ، في واحة الصبر والإيمان، في صحراء الذنب والعقاب، وسلوك الدرب الصاعدة إلى المنتهى، وإلى القريب القرب من نقطة هناك، من عوسجة ملتهبة إلى إبريق الحياة، وفانوس الظلام، إلى السبات الذي لا أغماضة فيه، بل النزول إلى القاع وطمر الفضة، وإعتبار السمكة أنها زهرة، وأن الزعانف مراكب وشراع، وأن الذي يقذف يردّك إلى الوراء إلى الأمام، وتخطو على الحصى والبرق الذي يضطرب، ويلمع في عينيك أهي الشمس أتت، أم القمر الذي حل ضيفاً بيننا، وله أخباره تتمدّد في المقصورة، ولا تظهر الفخذان الماجنتان، ولا القميص الرقيقة، ولا يبدو لأحد أن هناك نائماً ناعماً، بل أنها إمرأة ترتجف في الغرفة، ولا باب لتفتح لك المرأة حين تسمعك، حين تدقّ المطرقة، حين تضرب يدك على الخشب، على المعدن الخامد أو الكثيف. وأين يدك أهي إختفت في كومة التراب، كومة الندم، والكريم الكريم، والثمين الثمين.

وماذا تفعل أنت في هذه الغرفة الواسعة الضيقة وليس عليك ذنب وليس عليك العباءة الكاملة التي تريك ما يتحقّق، وما هي الصفات التي تصطادها، وأنت أنت مياه تجري في تلك الأبيات، في تلك النصوص المتراكمة، في تلك المرأة، شاعرة مغموسة في العسل والمرّ، في الأبيض وفي الحجارة الملوّنة، من يدنو تعطيه الضدّ أو الوخز الذي يشفيك قليلاً ثم يلتف عليك وتهبط عليك شمائل وطباع، غبار ودمع، سراب وهيولى، ويصح الإرتماء في البحيرة، وأنت والآخرون الذين، تلك المرأة تخاطبهم، وتخاطب الأعلى والأسمى، وصولاً إلى الإله، إلى الوحدة والعبارات الحيّة أو الساكنة في بردها الموشى، في غطائها البارد والدافىء، إن شئت تصل وإن رفضت لا تصل إلى تلك المرأة الكثيفة الغصون، وأين تحطّ قدماك، على أي سجادة أي أخضر، أيّ متّسع، أيّ بلاط وحاشية.

ويكفيك أنك تدعس على الأرض الضبابية، على الزوايا والمرتفعات، والنوافذ لك تطير منها إليها، فأنت حينئذ فراشة أو وطواط، هكذا تمر وتنفتح لك بعض الأسرار، بعض الكلمات ولا تدري فهذه الشاعرة إمرأة ترحّب بك، بالأدوات كلّها، حتى القاعدة في بيتها، وهي شرقية روحية من كلّ الأسواق وروائح البهارات، وتقع في آنية من الغرائب، من أنواع الخلق والشرود، وعليك أن تختار، اما الشاعرة كما هي في غمرة تكوينها ومناخها المتواصل الرنين، وهي تدقّ الجرس لك وتفتح الديوان وتنزل في جميل رحابها وأما الحق أن تتبعها وتستريح على مقعدها الرشيق ونسيجها الشامل، وأما لأن تسعد في تلك الأغوار، وأن لا تحسب للغد حساباً لأنك إن نمت في مكانك هذا، في طياتها تلك، تحلّ عليك الهالة، وتشعر بالنكهة ولا تنضب فيك الحيويّة، وتسكن السكون الهادئ، وتغمرك أمطار من الشعاع والسكرات والشطحات.

ومن لا يشطح لا يأكل عندها، لا يقطف من الشاعرة الطويلة البوح أي لطافة، أي لطف عتيق جديد، ويظل إن ثابر هكذا، لا يصعد إلى الأسمى، إلى هزّة أنثوية هي كالحيّة تحضنه، وهي كالغرام فيه حبّة مسك وحبّة نواح وشرق، وحبّة كبيرة، حجر، إن ضربته في الهواء إنشقّت لك ثمرة، وإنشقت لك هدى النعماني، وإنقشعت غيمة الشاعرة، تلك الغيمة اللعوب الداشرة الناعمة المتصوّفة، ربما، ربما.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *