إنتخابات ودستور وتقاليد

Views: 657

خليل الخوري 

مشهدان استحضرَتهما الذاكرة وأنا أتابع وقائع الإنتخابات الرئاسية الأميركية وفرز الأصوات. المشهد الأوّل عاد بي إلى مقاعد الدراسة في كليّة الحقوق والثاني إلى أواخر سبعينات القرن العشرين الماضي.

في الأوّل قدّم لنا أحد أكبر علمائنا في العلم الدستوري المرحوم الدكتور إدمون ربّاط عرضاً للدستور الأميركي وبالذات لنصوص وآلية الإنتخابات الرئاسية الأميركية. ولا أزال أذكر كلامه حرفياً: «الآن سندخل في متاهة إسمها إنتخابات الرئاسة الأميركية، وإنني أشفق عليكم لأنه يقتضيكم وقت غير قليل كي تستوعبوا هذه العملية المعقّدة، ولكن أؤكّد لكم أنّ الغاية من تلك النصوص وتعقيداتها هي التوصّل إلى أكبر قدر من العدالة، بالرغم من التناقض البيّـن الذي قد يتمثّل أحياناً في نجاح من ينال أصواتاً أقلّ من الناخبين وعدداً أكبر من المندوبين».

اليوم وأنا مُسمّرٌ أمام شاشة التلفزة أعترف بأننا لم نكن نستوعب تلك المعادلة. وأكتب هذه العجالة قبل أن تُحسَم أعداد الناخبين والمندوبين التي حصل عليها ترامب وبايدن، أذكُر أنه في إنتخابات 2016 خسرت السيدة هيلاري كلينتون أمام ترامب مع أنها نالت أكثر منه بنحو ثلاثة ملايين ناخب، بينما حظي هو بأكثر منها من أصوات المندوبين الذين يجب على من يصل إلى البيت الأبيض أن ينال 270 منهم على الأقلّ (أي الأكثرية المطلقة).

في المشهد الثاني كنت أقيم في إنكلترا يوم فاز حزب المحافظين بقيادة مارغريت تاتشر في الإنتخابات النيابية العامة البريطانية. كان ذلك في العام 1978 على ما أذكر. كانت الإنتخابات لمجلس العموم (النواب) والحزب الذي يفوز بالأكثرية يترأس أحد أعضائه الحكومة البريطانية وكان المنصب من نصيب مسز تاتشر. وقد دُهشتُ إعجاباً كيف كانت النتائج تصدر في قلم الإقتراع الدائرة فور إنتهاء العملية الإنتخابية، علماً أنّ تكنولوجيا العصر لم تكن متطوّرة كما هي اليوم. وعلى الأثر، يلتقي في كلّ دائرة المرشحان عنها الرابح والخاسر فيتصافحان ويهنّئ الثاني الأول ويُعاهده على اللقاء في الدورة المقبلة، مع تقديمهما الإحترام لإرادة الناخبين ولا تلويح بحرب أهلية أو باللجوء إلى المحكمة العليا إلخ.

وشتّان ما بين بريطانيا والولايات المتّحدة الأميركية.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *