قصة قصيرة… “جين أوستن”

Views: 722

هدى حجاجي احمد 

لا أدرى لماذا اتسعت الهوة بيني وبين زوجي، كاتب العشق والحنين. إنه يتعامل مع الجميع، والحق يقال باحترام وتوزان، لم يخطئ مع واحدة ممن أعرفهن بكلمة أو نظرة أو سلوك. فهل أواجه نفسي بصراحة وأقول إنها الغِيرة؟ هل هي سبب الجفوة بيننا، والتي تتسع كل يوم؟!

بصراحة مطلقة- وينبغي أن أقولها من دون تردد- إننى أحبه! فلماذا هذا الجفاف في حلقي؟ ولماذا يولد الشجار مع بضع كلمات، يعتبرها هو استجوابا: «أين كنت؟ ومع من قضيت الوقت؟ ولماذا تأخرت؟» أليس من حق أي زوجة أن تسأل هذه الأسئلة من دون أن يتطور الأمر بسرعة إلى شجار؟!

لماذا صار يبتعد عني لفترات طويلة؟ هل لأنه يشتغل بالفكر ويحتاج إلى التركيز؟

أتذكر التفاصيل. تأخر في إحدى الأمسيات. دبت في قلبى الظنون. قلت لنفسي لماذا لا يكون مع فلانة أو علانة؟ كان يؤكد لي أنه يجتر تجاربه ولا يكتبها حرفيا. فينهض أمامي سؤال بحجم الفصول الأربعة: من أين يأتي بكل هذه الخيالات؟ كيف أقنع نفسي أن كل ما يكتبه محض خيال؟ إنه يصف قلوب النساء بحس عجيب! يتوغل في شفافية، ورهافة ودقة متناهيتين، يصل إلى أعماق المرأة. فكيف يفعل هذا؟ لا بد له من زاد كبير.

يشتد بي الألم وتنطوي نفسي على موجات من النار. ربما بسبب روايته الأخيرة التي تحمل بطلتها ملامح صديقة لي!

***

حديدي الإرادة، عنيد لأقصى حد، قال لى إنه بحاجة إلى راحة!

ثم أدار ظهره، وراح يرتب حقيبته وذهب. كانت عيناي تتبعانه وهو يذهب. قبل أن يغادر المكان ترك لى أوراقا نقدية تكفي لمدة طويلة. لكنه نسي صورتي الصغيرة، ونسي أن يقبلني.

اتسع البيت بعد رحيله، وتوحش المكان.

 

***

رحت أتصفح بعض كتبه، وكأنني أتسلى بتعذيب نفسي. إنه يتوغل في وصف بطلة روايته. من أين يأتي زوجي بهذه الأوصاف؟ بهذه العواطف الجياشة؟ كنت أحسبه قد نسي الحب، لأنه كان يضاجع الأوراق والأحبار، وينسى أن له زوجة مشتاقة، تعيش على بعد ذراع، وتتنهد. كنت أشتاق إليه، وأحضر المكياج والحرير والعطر، وأجلس إلى جواره كقطة أليفة، وهو مشغول عني. ثم يطلب قهوته، ويغرق في أوراقه.

***

وحين سألته مرة عن معنى الحب، لماذا لا يصوّره كما يحدث في الواقع؟ قال إنه لا يصور الواقع، بل ينتخب منه، لأن الأدب ليس صورة طبق الأصل، بل أكمل وأجمل.

البيت هادئ تماما يغريني بالانتحار! البرودة تسري في جسدي. النوافذ مفتوحة.

رحت أكافح الهبوط، وأقلب في أوراقه. وجدت مقالا شدني عن جين أوستن. وصفها بأسلوب عذب، رسمها في عشق واشتعال. سألت نفسي: هل كان على علاقة بها؟ يا لَسخافاتي! إنه يصف عالم «جين» ومعاناتها، وكيف أن معرفتها بالناس محدودة لا تزيد على أربعة أسر في ريف صغير محدود!

وعلّق في نهاية المقال “ان كل ما يحتاجه الأديب هو العين الواعية، والأذن المرهفة، وعشق الأدب نفسه”.

***

وفجأة أفقت من أوهامي. ألم يكن أجدر بي أن أكف عن مضايقته. هذه الغيرة الجنونية التي تبيّن لي فجأة أنها لا محل لها.

 جريت بسرعة إلى الهاتف، قلت له وأنا ألهث: «تعال فورا. لن أحاسبك بعد اليوم أين ذهبت، ومع من كنت؟».

رد في هدوء يخالطه دهشة: «ماذا حدث؟!».

قلت له وأنا ابتسم: «إنها جين أوستن».

 

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. ان قصة جين اوستن قصة اجتماعية رائعة للاديبة هدى حجاجى احمد تشتعل فيها نار الغيرة الموقدة التى يؤججها خيال بطل الاديبة حجاجى بسرد ادبى رائع وبطلتها القطة الوديعة التى ايبدل حالها لما رأت مباشرة بطلها لخياله وورقه واقلامه …..
    اسلوب الاديبة حجاجى يعطى جمالا وجلالا لقصتها….